الشمس الطلوع، فلا يزول، أو جعلها مسلوبة الضوء، والأول أولى، والتعبير بالسكون عن الإقامة والاستقرار شائع، ومنه قولهم: سكن فلان بلد كذا إذا أقام به، واستقر فيه (ثم جعلنا الشمس عليه) أي على الظل بنسخها إياه عند مجيئها (دليلاً) أي: حجة وبرهاناً. وعلامة يستدل بأحوالها على أحواله، وذلك لأن الظل يتبعها، كما يتبع الدليل في الطريق من جهة أنه يزيد بها وينقص، ويمتد ويتقلص والمعنى أنه لو لم تكن الشمس لما عرف الظل، ولولا النور لما عرفت الظلمة، فالأشياء تعرف بأضدادها، ولم يؤنث الدليل، وهو صفة للشمس لأنه في معنى الاسم، كما يقال: الشمس برهان، والشمس حق.
(ثم قبضناه) أي: ذلك الظل الممدود، ومحوناه عند إيقاع شعاع الشمس، موقعه بالتدريج حتى انتهت تلك الأظلال إلى العدم والاضمحلال، ومعنى (إلينا) أن مرجعه إليه سبحانه، كما أن حدوثه منه، وجاء بثم استعارة تبعية لتفاضل ما بين الأمور الثلاثة، مد الظل، وجعل الشمس عليه دليلاً وقبضه يسيراً، فكان الثاني أعظم من الأول، والثالث أعظم من الثاني، شبه تباعد ما بينها في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت، أو لتفاضل مبادي أوقات ظهورها، وقيل: المراد في الآية قبضه عند قيام الساعة قبض أسبابه، وهي الأجرام النيرة، والأول أولى، وقيل: المعنى أن الظل يبقى في هذا الجو من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضاً جزءاً فجزءاً، وخلفه في هذا الجو شعاع الشمس فأشرقت على الأرض وعلى الأشياء إلى وقت غروبها، فإذا غربت فليس هناك ظل إنما ذلك بقية نور النهار.
وقال قوم: قبضه بغروب الشمس لأنها إذا لم تغرب فالظل فيه بقية، وإنما يتم زواله لمجيء الليل ودخول الظلمة عليه وقيل: إن هذا القبض وقع بالشمس لأنها إذا طلعت أخذ الظل في الذهاب شيئاًً فشيئاًً قاله مالك وإبراهيم


الصفحة التالية
Icon