وروي عن أبي حنيفة أنه قال: الطهور هو الطاهر. واستدل لذلك بقوله تعالى (وسقاهم ربهم شراباً طهوراً) يعني طاهراً وعلى كل حال فقد ورد الشرع بأن الماء طاهر في نفسه مطهر لغيره. قال الله تعالى (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) وقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (خلق الماء طهوراً) وأخرج أهل السنن وأحمد وغيرهم من حديث أبي سعيد قال: قيل يا رسول الله أتتوضأ من بئر قضاعة، وهي بئر تلقى فيه الحيض ولحوم الكلاب والنتن، فقال: " إن الماء طهور لا ينجسه شيء " (١) وفي إسناد هذا الحديث كلام طويل قد استوفاه الحافظ ابن حجر في التلخيص، وتبعه الشوكاني في شرحه على المنتقى، ثم ذكر سبحانه علة الإنزال فقال:
_________
(١) أبو داوود كتاب الطهارة باب ٣٤ - الإمام أحمد ٣/ ٣١ - ٤/ ١٧.
(لنحيي به) أي الماء المنزل من السماء (بلدة ميتاً) وصف البلدة بالميت، وهي صفة للمذكر، لأنها بمعنى البلد. وقال الزجاج: أراد بالبلد المكان أو يستوي فيه المذكر والمؤنث والمراد بالإحياء هنا إخراج النبات من المكان الذي لا نبات فيه (ونسقيه) بضم النون، وقرئ بفتحها والضمير المنصوب راجع إلى الماء (مما خلقنا أنعاماً) أي بهائم أي إبلاً، وبقراً وغنماً، وقد تقدم الكلام عليها، وخصها بالذكر لأنها ذخيرتنا. ومدار معاش أكثر أهل المدر، ولذلك قدم سقيها على سقيهم، كما قدم عليها إحياء الأرض فإنها سبب لحياتها وتعيشها فقدم ما هو سبب حياتهم ومعاشهم.
(وأناسي كثيراً) جمع إنسان على ما ذهب إليه سيبويه، وهو الراجح وقال المبرد، والفراء والزجاج: إنه جمع إنسي أي بياء النسب وفيه أن ما هي فيه لا يجمع على فعاليَّ، وللفراء قول آخر، أنه جمع إنسان والأصل على الأول أناسين مثل سرحان وسراحين، وبستان وبساتين، فجعلوا الياء عوضاً من النون.


الصفحة التالية
Icon