وقال ابن العربي: لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين، ولا نهوا عن ذلك بل أمروا بالصفح والهجر الجميل. وقد كان عليه الصلاة والسلام يقف على أنديتهم ويحييهم، ويدانيهم ولا يداهنهم. قال النضر بن شميل: حدثني الخليل قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي، وكان من أعلم من رأيت فإذا هو على سطح، فسلمنا، فرد علينا السلام، وقال لنا! استووا فبقينا متحيرين، ولم ندر ما قال: فقال لنا أعرابي إلى جنبه أمركم أن ترتفعوا. فقال الخليل: هو من قول الله ثم استوى إلى السماء فصعدنا إليه فقال: هل لكم في خبز فطير، ولبن هجير؟ فقلنا: الساعة فارقناه، فقال: سلاماً فلم ندر ما قال فقال الأعرابي: إنه سألكم متاركة لا خير فيها، ولا شر. قال الخليل: هو من قول الله عز وجل (وإذا خاطبهم الجاهلون، قالوا سلاماً). قال الحسن: هذا وصف نهارهم، ثم وصف ليلهم بقوله:
(والذين يبيتون لربهم سجداً) على وجوههم (وقياماً) على أقدامهم بيان لحالهم في معاملة الخالق بعد بيان حالهم في معاملة الخلق، وتخصيص البيتوتة لأن العبادة بالليل أحمض، وأبعد عن الرياء، وتأخير القيام للفاصلة والبيتوتة، هي أن يدركك الليل، نمت أم لم تنم قال الزجاج: من أدركه الليل فقد بات، نام أو لم ينم، كما يقال بات فلان قلقاً، قال النسفي: والظاهر أنه وصفهم بإحياء الليل أو أكثره.
(والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً) أي لزوماً كلياً في حق الكفار. ولزوماً بعده إطلاق إلى الجنة في الجنة في حق عصاة المؤمنين، أي هم مع طاعتهم، وحسن معاملتهم لخالقهم، وخلقه، لا يؤمنون مكر الله، بل هم مشفقون، وجلون، خائفون من عذابه، والغرام الشر اللازم الدائم قاله ابن زيد كما ورد مرفوعاً إليه صلى الله عليه وآله وسلم، ومنه سمي الغريم لملازمته، ويقال فلان مغرم بكذا، أي