المكذبين المستهزئين لو نظروا حق النظر لعلموا أنه سبحانه الذي يستحق أن يعبد، والمراد بالزوج هنا الصنف والنوع، وقال الفراء: هو اللون. وقال الزجاج: زوج نوع، وكريم محمود. والمعنى من كل زوج نافع، لا يقدر على إنباته إلا رب العالمين، إذ ما من نبت إلا وله النفع. والكريم في الأصل الحسن الشريف، يقال: نخلة كريمة، أي: كثيرة الثمرة، ورجل كريم، شريف فاضل، وكتاب كريم؛ إذا كان مرضياً في معانيه، والنبات الكريم هو المرضي في منافعه.
قال الشعبي: الناس مثل نبات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم، ومن صار منهم إلى النار فهو لئيم. وفائدة الجمع بين كلمتي الكثرة والإحاطة أن كلمة كل تدل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل، و (كم) تدل على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة، وبه نبه على كمال قدرته. قاله الزمخشري، وإليه أشار في التقرير.
(إن في ذلك لآية) أي: فيما ذكر من الإنبات، أو في كل واحد من تلك الأزواج لدلالة بينة وعلامة واضحة على كمال قدرة الله سبحانه، وبديع صنعته، واللام زائدة في اسم إن المؤخر. وقد ذكرت هذه الآية في هذه السورة ثمان مرات، ثم أخبر سبحانه بأن أكثر هؤلاء مستمر على ضلالته، مصمم على جحوده وتكذيبه واستهزائه فقال:
(وما كان أكثرهم مؤمنين) أي: سبق علمي فيهم أنهم سيكونون هكذا، فلذلك لا تنفعهم أمثال هذه الآيات العظام. قال سيبويه: إن (كان) هنا صلة أي: زائدة.
(وإن ربك لهو العزيز الرحيم) أي: الغالب القاهر لهؤلاء بالانتقام منهم، مع كونه كثير الرحمة، ولذلك أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة، أو المعنى أنه منتقم من أعدائه رحيم بأوليائه.


الصفحة التالية
Icon