لدعواه أنه إله.
(إن كنتم موقنين) بشيء من الأشياء فهذا أولى بالإيقان، لظهوره، وإنارة دليله، وهو العلم الذي يستفاد بالاستدلال، ولذا لا يقال الله موقن.
(قال) فرعون (لمن حوله) من أشراف قومه وهم خمسمائة رجل عليهم الأساور وكانت للملوك خاصة (ألا تستمعون)؟ ما قاله، يعني موسى معجباً لهم من ضعف المقالة، كأنه قال: أتسمعون وتعجبون؟ يعني سألته عن حقيقته وهو يذكر أفعاله، أو يزعم أنه ربّ السماوات، وهي واجبة متحركة لذاتها كما هو مذهب الدهرية، أو غير معلوم افتقارها إلى مؤثر. والعدول عن الجواب المطابق متعين لاستحالته. فالسؤال عن الحقيقة سفه وعبث وحمق، وهذا من اللعين مغالطة لما لم يجد جواباً عن الحجة التي أوردها عليه موسى، فلما سمع موسى ما قاله فرعون أورد عليه حجة أخرى، هي مندرجة تحت الحجة الأولى، ولكنها أقرب إلى فهم السامعين.
(قال ربكم ورب آبائكم الأولين) وخص من العام المتقدم أنفسهم وآباءهم لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه. وهي أظهر دلالة على القادر فأوضح لهم أن فرعون مربوب لا رب كما يدعيه.
والمعنى أن هذا الرب الذي أدعوكم إليه هو الذي خلق آباءكم الأولين وخلقكم، فكيف تعبدون من هو واحد منكم؟ مخلوق كخلقكم، وله آباء قد فنوا كآبائكم، فلم يجبه فرعون عند ذلك بشيء يعتدّ به، بل جاء بما يشكك قومه ويخيل إليهم أن هذا الذي قاله موسى مما لا يقوله العقلاء.
(قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) قاصداً بذلك المغالطة وإيقاعهم في الحيرة، مظهراً أنه مستخفّ بما قاله موسى مستهزئ به، لأني أسأله عن شيء ويجيبني عن آخر، وأضافه إلى مخاطبيه ترفعاً عن أن يكون مرسلاً إلى نفسه فأجابه موسى عند ذلك بما هو تكميل لجوابه الأول.


الصفحة التالية
Icon