فأجاب بما هو الطريق إلى معرفة الرب.
(إن كنتم تعقلون) شيئاًً من الأشياء، أو إن كنتم من أهل العقول أي إن كنت يا فرعون ومن معك من العقلاء، عرفت وعرفوا أنه لا جواب لسؤالك إلا ما ذكرت لك، لاينهم أولاً، وعاملهم بالرفق، حيث قال لهم (إن كنتم موقنين) ثم لما رأى شدة شكيمتهم، خاشنهم واغلظ عليهم في الرد، وعارضهم بمثل مقالتهم بقوله: (إن كنتم تعقلون) لأنه أبلغ وأوفق بما قبله من رد نسبة الجنون إليه، ثم إن اللعين لما انقطع عن الحجة رجع إلى الاستعلاء والتغلب والتهديد، وهكذا ديدن المعاند المحجوج.
(قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنّك من المسجونين) أي: من أهل السجن، واللام للعهد، أي ممن عرفت حالهم في سجوني. وكان سجن فرعون أشد من القتل، لأنه إذا سجن أحداً لم يخرجه حتى يموت، وكان يطرحه في هوة عميقة في مكان تحت الأرض وحده. ولذلك (أجعل) أبلغ من (لأسجننك) فتوعد موسى بالسجن، ولم يقل ما دليلك على أن هذا الإله أرسلك، لأن فيه الاعتراف بأن ثمة إلهاً غيره، وفي توعده بالسجن ضعف، لما يروى أنه كان يفزع من موسى فزعاً شديداً، حتى كان اللعين لا يمسك بوله فلما سمع موسى عليه الصلاة والسلام ذلك لاطفه طمعاً في إجابته، وإرخاء لعنان المناظرة معه، مريداً لقهره بالحجة المعتبرة في باب النبوة، وهي إظهار المعجزة، فعرض له على وجه يلجئه إلى طلب المعجزة.
(قال أو لو جئتك بشيء مبين) أي: اتجعلني من المسجونين؟ وتفعل ذلك؟ ولو جئتك بشيء يتبين به صدقي، وتظهر عنده صحة دعواي؟ يعني المعجزة فإنها الجامعة بين الدلالة على وجود الصانع وحكمته، وبين الدلالة على صدق دعوى من ظهرت على يده. والهمزة هنا للاستفهام، والواو للعطف على مقدر كما مر مراراً، فلما سمع فرعون ذلك طلب ما عرضه عليه موسى.
(قال فأت به إن كنت من الصادقين) في دعواك وإنما أمره بذلك لظنه أنه


الصفحة التالية
Icon