فهو أكبر تيهاً، وأعظم كبراً من أن يخاطبهم مثل هذه المخاطبة، المشعرة بأنه فرد من أفرادهم، وواحد منهم، مع كونه قبل هذا الوقت يدعي أنه إلههم، ويذعنون له بذلك ويصدقونه في دعواه.
قال أبو السعود: بهره سلطان المعجزة، وحيره حتى حطه عن ذروة ادعاء الربوبية إلى حضيض الخضوع لعبيده في زعمه، والامتثال بأمرهم، أو إلى مقام مؤامرتهم ومشاورتهم، بعد ما كان مستقلاًّ بالرأي والتدبير، وأظهر استشعار الخوف من استيلائه على ملكه، ونسبة الإخراج والأرض إليهم لتنفيرهم عن موسى عليه السلام.
(قالوا أرجه وأخاه) أخرّ أمرهما، من أرجيته إذا أخرته. وقيل المعنى احبسهما (وابعث في المدائن حاشرين) للسحرة، وهم الشَرِط الذين يحشرون الناس، أي يجمعونهم
(يأتوك بكل سحار عليم) هذا ما أشاروا به عليه، وجاءوا بكلمة الإحاطة وصيغة المبالغة ليسكنوا بعض قلقه. والمراد بالسحار العليم الفائق في معرفة السحر وصنعته، أي: يفضل موسى ويفوق ويزيد عليه في علم السحر.
(فجمع السحرة لميقات يوم معلوم) هو يوم الزينة كما في قوله: (قال موعدكم يوم الزينة. وكان يوم عيد لهم أو يوم سوق، وميقاته وقت الضحى لأنه الوقت الذي وقته لهم موسى من يوم الزينة حيث قال: (وأن يحشر الناس ضحى) والميقات ما وقت، أي حد من زمان، أو مكان. ومنه مواقيت الإحرام والصلاة.
(وقيل للناس هل أنتم مجتمعون)؟ حثّاً لهم على الاجتماع ليشاهدوا ما يكون من موسى والسحرة، ولمن تكون الغلبة، وكان ذلك ثقة من فرعون بالظهور؛ وطلباً أن يكون بمجمع من الناس حتى لا يؤمن بموسى أحد منهم، فوقع ذلك من موسى الموقع الذي يريده، لأنه يعلم أنّ حجة الله هي الغالبة وحجة الكافرين هي الداحضة، وفي ظهور حجة الله بمجمع من الناس زيادة في الاستظهار للمحقين، والانقهار للمبطلين.


الصفحة التالية
Icon