بالحجة، توسلاً إلى إظهار الحق، ويظهر لهم أن الذي جاء به ليس هو من الجنس الذي أرادوا معارضته به.
(فألقوا حبالهم وعصيهم) سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصا وقيل كانت الحبال اثنين وسبعين ألفاً وكذا العصي، فيخيلون أنها حيات تسعى (وقالوا) عند الإلقاء (بعزة فرعون) أقسموا بعزته وقوته. وهو من أيمان الجاهلية. وقولهم هذا يحتمل وجهين؛ الأول: أنه قسم، وجوابه ما بعده والثاني: إن يتعلق بمحذوف والباء للسببية والمراد بالعزة العظمة (إنا لنحن الغالبون) أي: نغلب بسبب عزته لفرط اعتقادهم في أنفسهم بالغلبة؛ وإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر.
(فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون) قد تقدم تفسير هذا مستوفى؛ والمعنى أنها تبتلع وتلقف ما صدر منهم من الإفك؛ بإخراج الشيء عن صورته الحقيقية. قيل أن عصا موسى صارت حية وابتلعت كل ما رموه من حبالهم وعصيهم ثم أخذها موسى فإذا هي كما كانت أول مرة.
(فألقي السحرة) أي فخروا وسقطوا (ساجدين) أي لما شاهدوا ذلك علموا أنه صنيع صانع حكيم. ليس من صنيع البشر؛ ولا من تمويه السحرة فآمنوا بالله وسجدوا له. وأجابوا دعوة موسى وقبلوا نبوّته. وعبّر عن الخرور بالإلقاء بطريق المشاكلة لأنه ذكر مع الإلقاءات؛ ولأنهم لسرعة ما سجدوا صاروا كأنهم ألقوا وأخذوا فطرحوا على وجوههم، وأنه تعالى ألقاهم بما خولهم من التوفيق. وقد تقدم بيان معنى ألقى ومن فاعله، لوقوع التصريح به.
قال الشهاب ففي (فألقي) استعارة تبعية حسنها المشاكلة، وليس مجازاً مرسلاً وإن احتمله النظم، ووجه الشبه عدم التمالك.
(قالوا) عند سجودهم، بدل اشتمال من (ألقى) أو حال بإضمار قد: (آمنا برب العالمين) قال عكرمة أمسوا سحرة وأصبحوا شهداء.


الصفحة التالية
Icon