تظنوا أنه فعل لا يقدر عليه البشر، وأنه من فعل الرب الذي يدعو إليه موسى، ولا تعتقدوا أنّ السحرة آمنوا على بصيرة، وظهور حق، يعني أن غلبته عليكم لم تكن بالعجز الإلهي، بل بما لم يعلمكم من السحر، وأنتم لضعف عقولكم حسبتم أنه غلبكم بغير جنس السحر، فآمنتم.
ثم توعد أولئك السحرة الذين آمنوا بالله لما قهرتهم حجة الله فقال: (فلسوف تعلمون) وبال ما فعلتم وما ينالكم مني. أجمل التهديد أولا للتهويل، ثم فصله فقال:
(لأقطعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف) أي من أجل خلافٍ ظهر منكم. وقيل: أي يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى (ولأصلبنّكم أجمعين) كأنه أراد به ترهيب العامة لئلا يتبعونهم في الإيمان. قيل: إنه فعل بهم ما توعدهم به من التقطيع والتصليب وقيل: لم يفعله بهم ولم يرد في القرآن ما يدل على أنه فعل بهم ذلك، فلما سمعوا ذلك من قوله
(قالوا لا ضير) أي لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عقاب الدنيا، فإن ذلك يزول، ولا بد من الانقلاب بعده إلى ربنا، فيعطينا من النعيم الدائم ما لا يُحَدُّ ولا يوصف. قال الهروي: لا ضير ولا ضرر ولا ضر، بمعنى واحد، قال الجوهري: ضاره يضوره ويضيره ضيراً وضوراً أي ضره، قال الكسائي سمعت بعضهم يقول لا ينفعني ذلك ولا يضورني، قال أبو زيد: لا يضيرنا الذي تقول وإن صنعت بنا وصلبتنا.
(إنا إلى ربنا منقلبون) أي راجعون، وهو مجازينا لصبرنا على عقوبتك إيانا، وثباتنا على توحيده، والبراءة من الكفر قاله أبو زيد، تعليل لعدم الضير أي لا ضير في ذلك، بل لنا فيه نفع عظيم، لما يحصل لنا في الصبر عليه لوجه الله تعالى من تكفير الخطايا والثواب العظيم، أو لا ضير علينا فيما


الصفحة التالية
Icon