(وما كان أكثرهم) أي أكثر هؤلاء الذين مع فرعون (مؤمنين) بالله فإنه لم يؤمن منهم فيما بعد إلا القليل كحزقيل وابنته، وآسية امرأة فرعون، والعجوز التي دلت على قبر يوسف وليس المراد أكثر من كان مع فرعون عند لحاقه بوسى، فإنهم هلكوا جميعاً في البحر، بل المراد من كان معه من الأصل، ومن كان متابعاً له، ومنتسباً إليه، هذا غاية ما يمكن أن يقال.
وقال سيبويه وغيره: إنّ (كان) زائدة، وأنّ المراد الإخبار عن المشركين بعد ما سمعوا الموعظة.
(وإنّ ربك لهو العزيز) أي المنتقم من أعدائه بإغراقهم (الرحيم) بأوليائه بإنجائهم.
(واتل) أي: أقصص يا محمد (عليهم) أي على كفار مكة (نبأ) خبر (إبراهيم) وحديثه
(إذ قال) أي وقت قوله (لأبيه وقومه ما) أي أيُّ شيء (تعبدون) وهو يعلم أنهم يعبدون الأصنام، ولكنه أراد إلزام الحجة وليريهم أنّ ما يعبدونه ليس بمستحق للعبادة، بل بمعزل عنها بالكلية.
(قالوا نعبد أصناماً) افتخاراً ومباهاة بعبادتها (فنظل لها عاكفين) أي فنقيم وندوم على عبادتها، مستمرين طوال النهار، لا في وقت معين. يقال ظل يفعل كذا إذا فعله نهاراً، وبات يفعل كذا إذا فعله ليلاً، فظاهره أنهم يستمرون على عبادتهم نهاراً لا ليلاً والمراد من العكوف لها الإقامة على عبادتها وإنما قال (لها) لإفادة أن ذلك العكوف لأجلها.
فلما قالوا هذه المقالة
(قال) إبراهيم منبهاً على فساد مذهبهم (هل يسمعونكم إذ تدعون)؟ قال الأخفش المعنى هل يسمعون منكم؟ أو هل يسمعون دعاءكم؟ وقرأ قتادة هل يُسمعونكم؟ بضم الياء أي هل يسمعونكم أصواتهم وقت دعائكم لهم؟ قال الزمخشري إنه على حكاية الحال الماضية، ومعناه استحضروا الأحوال التي كنتم تدعونها فيها، هل سمعوكم إذا دعوتم؟ وهو أبلغ في التبكيت.


الصفحة التالية
Icon