يسمعوا لناصح نصحاً ولا لداع إلى الحق دعاء، ولو فطنوا لرأوا أنفسهم في غرور عظيم، وجهل ثشيع وأنهم كالبهيمة (١) العمياء وأولئك الأسلاف كالعمي الذين يقودون البهائم العمي كما قال الشاعر:

كبهيمة عمياء قاد زمامها أعمى على عوج الطريق الحائر
فعليك أيها العامل بالكتاب والسنة المبرأ من التعصب والتعسف؛ أن تورد عليهم حجج الله، وتقيم عليهم براهينه، فإنه ربما انقاد لك منهم من لم يستحكم داء التقليد في قلبه، وأما من قد استحكم في قلبه هذا الداء العضال فلو أوردت عليه كل حجة، وأقمت عليه كل برهان، لما أعارك إلا أذناً صماء وعيناً عمياء، ولكنك قد قمت بواجب البيان الذي أوجبه عليك القرآن، والهداية بيد الخلاق العليم، إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.
ولما قال هؤلاء المقلدة هذه المقالة
_________
(١) هذا كلام لا يليق.
(قال) الخليل عليه السلام: (أفرأيتم ما كنت تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون) أي فهل أبصرتم؟ أو تفكرتم وتأملتم فعلمتم ما كنتم تعبدون من هذه الأصنام التي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر حتى تعلموا أنكم على ضلالة وجهالة والرؤية هنا مستعملة في معناها الأصلي، وإليه نحا أبو السعود، وصنيع الكازروني يقتضي أنها بمعنى أخبروني، أي أخبروني عن حال ما كنتم تعبدون، هل هو حقيق بالعبادة أولاً؟ وهذا استهزاء بعبدة الأصنام، والفاء فاء السببية تفيد أن ما بعدها وهو العداوة سبب لطلب الإخبار عن حالهم؛ فهي بمعنى اللام، أي: أخبروني عن حالها لأنها عدو لي كما صرح به الرضى في قوله أخرج منها فإنك رجيم ثم أخبرهم بالبراءة من هذه الأصنام التي يعبدونها فقال:
(فإنهم عدو لي) ومعنى كونهم عدواً له مع كونهم جماداً أنه إن عبدهم كانوا له عدواً يوم القيامة، قال الفراء: هذا من المقلوب، أي فإني عدو لهم، لأن من عاديته عاداك. وأسند العداوة إلى نفسه تعريضاً بهم، وهو أنفع في النصيحة من التصريح بأن يقول فإنهم عدو لكم.


الصفحة التالية
Icon