الدعاء إلى معرفة الحق، والطاعة فيما يقرب المدعو إلى ثوابه، ويبعده عن عقابه وكان الأنبياء متفقين على ذلك وإن اختلفوا في بعض التفاريع، مبرئين عن المطامع الدنية والأغراض الدنيوية.
(وما أسألكم عليه من أجر) أي ما أطلب منكم أجراً على تبليغ الرسالة ولا أطمع في ذلك منكم و (من) زائدة في المفعول (إن أجري) أي: ما ثوابي الذي أطلبه وأريده (إلا على رب العالمين) لا على غيره وكرر قوله:
(فاتقوا الله وأطيعون) للتأكيد، والتقرير في النفوس، مع كونه علق كل واحد منهما بسبب؛ وهو الأمانة في الأول وقطع الطمع في الثاني. ونظيره قولك ألا تتقي الله في عنوقي وقد ربيتك صغيراً؟ ألا تتقي الله في عقوقي وقد علمتك كبيراً؟ وقدّم الأمر بتقوى الله على الأمر بطاعته لأن تقوى الله علة لطاعته.
(قالوا أنؤمن لك) الاستفهام للإنكار، أي كيف نتبعك ونصدق لك ونؤمن بك؟ (و) الحال أن قد (اتبعك الأرذلون) جمع أرذل وجمع التكسير أرذال، والأنثى رذلاء وهم الأقلّون جاهاً ومالاً، والرذالة الخسة والذلة، استرذلوهم لقلة أموالهم وجاههم، أو لا تّضاع أنسابهم.
قال مجاهد: الأرذلون الحواكون. وقال قتادة سفلة الناس وأراذلهم وقال ابن عباس: يعني القافة، وقيل هم الحاكة والاساكفة؛ وقيل: كانوا من أهل الصناعات الدنية، والصناعة لا تزرى بالديانة فالغنى غنى الدين؛ والنسب نسب التقوى.
ولا يجوز أن يسمى المؤمن رذلا. وإن كان أفقر الناس؛ وأوضعهم نسباً وما زالت اتباع الأنبياء كذلك. وإنما بادروا للاتباع قبل الأغنياء لاستيلاء الرياسة على الأغنياء، وصعوبة الانفكاك منها، والأنفة عن الانقياد للغير. والفقير خلى من تلك الموانع فهو سريع الإجابة والانقياد، وهذا غالب أحوال أهل الدنيا، وهذا من سخافة عقولهم، وقصر رأيهم على حطام الدنيا حتى جعلوا اتباع المقلّين من الدنيا مانعاً من اتباعهم، وجعلوا إيمانهم بما يدعوهم إليه دليلاً على بطلانه.


الصفحة التالية
Icon