مائة كذبة.
(و) جملة (أكثرهم كاذبون) راجعة إلى كل أفاك أثيم، أي وأكثر هؤلاء الكهنة كاذبون فيما يتلقونه من الشياطين، لأنهم يضمون إلى ما يسمعونه كثيراً من أكاذيبهم المختلقة أو أكثرهم كاذبون فيما يلقونه من السمع أي المسموع من الشياطين، إلى الناس، أو هذه الجملة راجعة إلى الشياطين أي أكثر الشياطين كاذبون فيما يلقونه إلى الكهنة مما يسمعونه، فإنهم يضمون إلى ذلك من عند أنفسهم كثيراً من الكذب، وكان هذا قبل أن حجبت الشياطين عن السماء.
وقد قيل: كيف يصح على الوجه الأول وصف الأفاكين بأن أكثرهم كاذبون، بعد ما وصفوا جميعاً بالإفك؛ وأجيب بأن المراد بالأفاك الذي يكثر الكذب، لا الذي لا ينطق إلا بالكذب، فالمراد بقوله: (وأكثرهم كاذبون) أنه قل من يصدق منهم فيما يحكى عن الشياطين، والغرض الذي سيق لأجله هذا الكلام رد ما كان يزعمه المشركون من كون النبي - ﷺ - من جملة من يلقي إليه الشيطان السمع من الكهنة؛ ببيان أن الأغلب على الكهنة الكذب، ولم يظهر من أحوال محمد - ﷺ - إلا الصدق. فكيف يكون كما زعموا؟ ثم إن هؤلاء الكهنة يعظمون الشياطين، وهذا النبي المرسل من عند الله برسالته إلى الناس يذمهم ويلعنهم، ويأمر بالتعوذ منهم.
ثم لما كان قد قال قائل من المشركين: إن النبي - ﷺ - شاعر، بيَّن سبحانه حال الشعراء ومنافاة ما هم عليه لما عليه النبي - ﷺ - فقال:
(والشعراء يتبعهم) مشدداً ومخففاً أي: يجاريهم وشملك مسلكهم ويكون من جملتهم (الغاوون) أي الضالون عن الحق، والشعراء جمع شاعر والغاوون جمع غاو، وهم ضلال الجن والإنس، قاله ابن عباس. وقيل الزائلون عن الحق، وقيل: المشركون، وقيل: الشياطين، وقيل: الذين يروون الشعر المشتمل على الهجاء وما لا يجوز.