من مواطن سجود التلاوة عند الشافعي ومن وافقه، لا عند أبي حنيفة ومن قال بقوله، وقد تقدم أن هذه السورة فضلت بسجدتين وهذا دليل على ثبوت السجود عند تلاوة هذه الآية.
وقد اختلف في عدة سجود التلاوة فذهب أكثر أهل العلم إلى أنها أربع عشرة سجدة، لكن الشافعي رحمه الله تعالى قال: في الحج سجدتان، وأسقط سجدة ص، وقال أبو حنفية: في الحج سجدة، وأثبت سجدة ص، وقيل خمس عشرة سجدة، وقال قوم: ليس في المفصل سجدة، فعلى هذا تكون إحدى عشرة سجدة، وسجود التلاوة سنة عند الشافعي؛ وواجب عند أبي حنيفة، ودلائل الأقوال مبسوطة في مواطنها، ثم أمرهم بما هو سنة الدين وأعظم أعماله فقال:
(وجاهدوا في الله) أي في ذاته من أجله، والمراد به الجهاد الأكبر وهو الغزو للكفار ومدافعتهم إذا غزوا بلاد المسلمين، وقيل المراد بالجهاد هنا امتثال ما أمرهم الله به في الآية المتقدمة، وامتثال جميع ما أمر به ونهى عنه على العموم.
ومعنى (حقَّ جهاده) المبالغة في الأمر بهذا الجهاد باستفراغ الطاقة لأنه أضاف الحق إلى الجهاد، والأصل إضافة الجهاد إلى الحق أي جهاداً خالصاً لله فعكس ذلك لقصد المبالغة وأضاف الجهاد إلى الضمير اتساعاً أو لاختصاصه به سبحانه من حيث كونه مفعولاً له، ومن أجله، وقيل المراد بحق جهاده هو أن لا يخافوا في الله لومة لائم، وقيل المراد به استفراغ ما في وسعهم في إحياء دين الله وقال مقاتل والكلبي: إن الآية منسوخة بقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) كما أن قوله: (اتقوا الله حق تقاته) منسوخ بذلك، ورد ذلك بأن التكليف مشروط بالقدرة فلا حاجة إلى المصير إلى النسخ.
عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال لي عمر: ألسنا كنا نقرأ فيما نقرأ (وجاهدوا في الله حق جهاده) في آخر الزمان، كما جاهدتم في أوله؟ قلت بلى