المشركين وتحديهم، فقد اجتمع أبو لهب وأبو سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاصى بن وائل ومطعم بن عدى، وقالوا: قد اجتمعت وفود العرب فى أيام الحج، وهم يتساءلون عن أمر محمد، وقد اختلفتم فى الإخبار عنه، فمن قائل يقول: مجنون، وآخر يقول: كاهن، وآخر يقول: شاعر، وتعلم العرب أن هذا كله لا يجتمع فى رجل واحد، فسموا محمدا باسم واحد يجتمعون عليه وتسميه العرب به، فقام منهم رجل فقال: شاعر، فقال الوليد: سمعت كلام ابن الأبرص، وأمية بن أبى الصلت، وما شبه كلام محمد كلام واحد منهما، فقالوا:
كاهن، فقال: الكاهن يصدق ويكذب وما كذب محمد قط، فقام آخر فقال:
مجنون، فقال الوليد: المجنون يخنق الناس وما خنق محمد قط. وانصرف الوليد إلى بيته، فقالوا: صبأ الوليد بن المغيرة، فدخل عليه أبو جهل، وقال: مالك يا أبا عبد شمس، هذه قريش تجمع لك شيئا يعطونك، زعموا أنك قد احتجت وصبأت فقال الوليد: ما لى إلى ذلك حاجة، ولكن فكرت فى محمد، فقلت: ما يكون من الساحر؟ فقيل: يفرق بين الأب وابنه، وبين الأخ وأخيه، وبين المرأة وزوجها، فقلت: إنه ساحر. شاع هذا فى الناس وصاحوا يقولون: إن محمدا ساحر.
ورجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى بيته محزونا، فتدثر بقطيفة ونزلت: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) نزلت بما يقوى نفس النبى صلّى الله عليه وسلم ونفوس أصحابه، وبما بين حال هؤلاء المعاندين المشوهين، وما توعدهم الله به من عقاب، ويذكر الناس باليوم العسير على الكافرين، ويكون التدعيم والتقوية النفسية بما يلى فى هذه السورة الكريمة:
«النشاط فى الدعوة والإعلان بها» يتمثل ذلك فى قوله تعالى: قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) أى قم بجد ونشاط، ودع التدثر لتواجه أهل مكة بتخويفهم وتحذيرهم العذاب- إن لم يسلموا- وهذا يؤكد أن ما نزل سابقا من القرآن الكريم، ومن أمر الدعوة قد انتشر بين الناس، وأن الكافرين يصدون الناس عن اتباع الهدى والحق، فهم فى حاجة إلى الإنذار، فلا تحزن على ما يفعلون، وواجه هؤلاء بتخويفهم وبيان عاقبة كفرهم وعنادهم.
«التكبير والتقديس والتنزيه لله سبحانه» وذلك يمنح النفس قوة فلا ترى فعلا إلا له، ولا نعمة إلا منه، ولا تتخذ النفس وليا غيره، ولا تعبد سواه كما أن وصف الرب سبحانه وتعالى ب «أكبر» فذلك- أيضا- ينبه ويحذر الكافرين من اتخاذ الأنداد والأصنام، ولذلك روى أن أبا سفيان لما قال يوم أحد: أعل هبل، قال النبى صلّى الله عليه وسلم:
«قولوا الله أعلى وأجل».