منه، وذلك يتضمن تعظيم الله تعالى، ثم ثلاث آيات تتمة سبع آيات. ومما يدل على أنها ثلاث قوله: هؤلاء لعبدى أخرجه مالك ولم يقل: هاتان، فهذا يدل على أن أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ آية، قال ابن بكير قال مالك: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ آية ثم الآية السابعة إلى آخرها، فثبت بهذه القسمة التى قسمها الله تعالى، وبقوله- عليه الصلاة والسلام- لأبيّ: «كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟» قال: فقرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) حتى أتيت على آخرها- إن البسملة ليست آية منها، وكذا عد أهل المدينة وأهل الشام وأهل البصرة وأكثر القراء عدوا أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ آية وكذا روى قتادة عن أبى نضرة عن أبى هريرة قال: الآية السادسة: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، وأما أهل الكوفة من القراء والفقهاء فإنهم عدوا فيها «بسم الله الرحمن الرحيم» ولم يعدوا أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.
وبعد أن يصحح القرطبى قول مالك السابق يورد بعض الاعتراضات، ويجيب عنها فيقول «١»: إن قيل: فإنها ثابتة فى المصحف ومكتوبة بخطه ونقلب نقله كما نقلت فى النمل، وذلك متواتر عنهم. قلنا: ما ذكرتموه صحيح، ولكن لكونها قرآنا، أو لكونها فاصلة بين السور، كما روى عن الصحابة- رضوان الله عليهم: كنا لا نعرف انقضاء السورة حتى تنزل: «بسم الله الرحمن الرحيم» أخرجه أبو داود، أو تبركا بها، كما قد اتفقت الأمة على كتابتها فى أوائل الكتب والرسائل، كل ذلك محتمل. وقد قال الجريرى: سئل الحسن عن «بسم الله الرحمن الرحيم» قال: فى صدور الرسائل، وقال الحسن أيضا: لم تنزل «بسم الله الرحمن الرحيم» فى شيء من القرآن إلا فى «طس» (آية) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) [النمل] والفيصل وأن القرآن لا يثبت بالنظر والاستدلال، وإنما يثبت بالنقل المتواتر القطعى الاضطرارى، ثم قد اضطرب قول الشافعى فيها فى أول كل سورة فدل على أنها ليست بآية من كل سورة، والحمد لله.
فإن قيل: فقد روى جماعة قرآنيتها، وقد تولى الدارقطنى جمع ذلك فى جزء صححه، قلنا: لسنا نفكر الرواية بذلك وقد أشرنا إليه، ولنا أخبار ثابتة فى مقابلتها رواها الأئمة الثقات والفقهاء الأثبات، فقد روت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فى صحيح مسلم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين. الحديث.

(١) القرطبى ١/ ٩٤ - ٩٧.


الصفحة التالية
Icon