وروى مسلم أيضا عن أنس بن مالك قال: صليت خلف النبى صلّى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون «بسم الله الرحمن الرحيم» لا فى أول قراءة ولا فى آخرها.
يقول القرطبى: ثم إن مذهبنا يترجح فى ذلك بوجه عظيم، وهو المعقول وذلك أن مسجد النبى صلّى الله عليه وسلم بالمدينة انقضت عليه العصور، ومرت عليه الأزمنة والدهور، من لدن رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى زمان مالك، ولم يقرأ أحد فيه قط: «بسم الله الرحمن الرحيم» اتباعا للسنة، وهذا يرد أحاديثكم.
بيد أن أصحابنا استحبوا قراءتها فى النفل، وعليه تحمل الآثار الواردة فى قراءتها، أو على السنة فى ذلك. قال مالك: ولا بأس أن يقرأ بها فى النافلة، ومن يعرض القرآن الكريم عرضا.
هذه مجموعة الأقوال فى البسملة ومنها يتضح لنا أنه لا خلاف بين العلماء فى أن «بسم الله الرحمن الرحيم» من القرآن الكريم كما جاء فى قوله تعالى من سورة النمل:
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) [النمل] فهى جزء من آية.
وإنما الخلاف فى هل هى آية من سورة الفاتحة، ومن أوائل السور غير براءة أى أن الاختلاف ليس فى كونها قرآنا، ولكنه فى تكرر قرآنيتها، والله الهادى إلى سواء السبيل.
لقد تناولنا فى الأجزاء السابقة. ما يتصل بنزول الفاتحة وما يتعلق بآياتها، ونتناول الآن ترتيب ما تضمنته من المعانى حسب النزول، لقد جاءت معانى سورة الفاتحة جامعة حتى عدت السورة ولقبت بأم الكتاب، وكان نزولها بعد السور السابقة، وما تضمنته من توجيه الخلق إلى الله والقراءة باسمه والعمل له وتدبر آياته، وأن المصير
إليه، وما تضمنت من تدعيم للمؤمنين، والشد من أزرهم بدءا برسول الله صلّى الله عليه وسلم، وبيان حال الطوائف المعادية من المشركين وغيرهم، والتفصيل فى وجوه الإنذار، وكل هذه المعانى جعلت حركة الدعوة تزداد قوة ونشاطا وظهورا كما ازداد عدد المؤمنين، وأصبح لهم كيان بشرى ملموس أى صاروا جماعة تتكون من الرسول صلّى الله عليه وسلم والذين معه من المؤمنين والمؤمنات، وكان نزول الفاتحة لتعليم المؤمنين وتوجيههم إلى أصول عامة وقواعد كلية فى علاقتهم بربهم، وفى علاقتهم فيما بينهم، وفى سلوكهم، وفى الحذر مما يضرهم،


الصفحة التالية
Icon