الله شيئا سلونى من مالى ما شئتم» انفرد به مسلم.
ويذكر الإمام ابن كثير مجموعة الروايات الأخرى فى تفسيره. فهذه الآية الكريمة إذن يأتى ترتيب نزولها قبل سورة المسد، وإذا كان النبى صلّى الله عليه وسلم قد أمر قبل ذلك فى سورة المدثر بقوله تعالى: قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) [المدثر] فإن الأمر هنا موجه إلى العشيرة الأقربين، ولا يفهم من هذا ما فهمه المغرضون من أن الدعوة إذن خاصة بالأقربين وليست عامة، وهذا فهم ترده النصوص الصريحة من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسوله صلّى الله عليه وسلم، ومن واقع الدعوة، فالآيات الكريمة تصرح بأن الرسول الكريم أرسل للناس كافة بشيرا ونذيرا، وأنه أرسل رحمة للعالمين وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧) [الأنبياء] فهو بتصريح الآيات الكريمة أرسل للناس أجمعين ويذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا المعنى فى أن كل نبى كان يرسل إلى قومه خاصة وبعث إلى الناس عامة وإلى كل أحمر وأسود.
وأما واقع الدعوة فإن الرسول صلّى الله عليه وسلم خاطب الناس جميعا وأرسل رسله وكتبه إلى ملوك الأرض دون تفريق وشاء الله أن يشتهر من صحابته- رضوان الله عليهم- من ينتمون إلى غير العرب فبلال مؤذنه- رضوان الله عليه- حبشى، وصهيب الذى ربح فى بيعه روميّ، وسلمان الذى قربه رسول صلّى الله عليه وسلم فارسى، وهكذا يكون الفهم لهذه الآية الكريمة مع الآيات الكريمة الأخرى؛ أنها تبين مراحل الدعوة واتساعها الطبيعى، فيبدأ الرسول صلّى الله عليه وسلم بدعوة زوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ويدعو صديقه أبا بكر وأهل البيت والعشيرة الأقربين وأهل مكة أم القرى، ثم من حولها، ثم ترسل الكتب إلى الأمم جميعا، وهكذا فهم أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلم وواصلوا مسيرة الدعوة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وأشار الإمام ابن كثير- رحمه الله- إلى هذا عند تفسيره لهذه الآية الكريمة فيقول: وهذه النذارة الخاصة لا تنافى العامة بل هى فرد من أجزائها كما قال تعالى: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦) [يس]، وقال تعالى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها [الشورى: ٧]، وقال تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ [الأنعام: ٥١]، وقال تعالى: لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) [مريم] وقال تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام: ١٩] كما قال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود: ١٧]، وفى صحيح مسلم: «والذى نفسى بيده لا يسمع بى أحد من هذه الأمة يهودى ولا نصرانى ثم لا يؤمن بى إلا دخل النار» «١».