سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا. وهذا شأن أولى الألباب كما جاء ذكر هذا المعنى فى قوله تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) [آل عمران].
فالله سبحانه خلق مخلوقاته دالة على كمال القدرة وأن أتقن كل شىء كان، وقدر للخلائق ما شاء وهدى إليه كما ثبت فى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء»، وترى آيات هداية المخلوقات لما خلقت له فى كل شىء؛ فى الطفل الذى يخرج من بطن أمه- مثلا- لا يعلم شيئا فمن الذى هداه إلى مكان غذائه؟ ومن الذى هداه إلى كيفية تقلصات عضلات وجهه ليمتص لبنه؟ إنه سبحانه الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣)، وقس على ذلك جميع المخلوقات من حيوانات وطيور، ونباتات وغيرها فتبارك الله أحسن الخالقين. وهو الذى أنزل من السماء ماء فأنبت به أزواجا من نبات شتى ليرتع فيه الناس والبهائم، ولكى يتحول هذا من الخضرة إلى السواد وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥).
إن هذا الفتح القرآنى لقلوب الناس وعقولها للتأمل فى آيات الله الكونية يحرك العقول ويصقل القلوب، ويجعلها أهلا للترقى والإقلاع من الجاهلية بعقائدها وسلوكها وأخلاقها، ومع حرص الرسول صلّى الله عليه وسلم على تلقى آيات الله الكريمة التى ينزل بها جبريل عليه السّلام وحفظها، وخاصة أن السور تتتابع فى نزولها المبارك، يأتى وعد الله سبحانه فى منته على رسوله وعلى العالمين فى أنه سبحانه سيحفظ رسوله ما يوجه إليه من الكتاب العزيز فلا ينسى منه شيئا سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ واقتضت حكمته ألا ينسيه إياه لحكمة أو تيسير يريده بخلقه فهو يعلم الجهر وما يخفى، كما تأتى البشائر المفصلة بهذا المعنى، والتى تعرض للناس فى بدايات الوحى خصائص ما أرسل به رسول الله صلّى الله عليه وسلم من البشر فى أمره كله فيما يوحيه الله من عقائد وعبادات ومعاملات وسلوك، فما جعل الله على خلقه من حرج وإنما يريد بهم اليسر فى الأمر كله.
وهكذا كان شأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومنهجه فما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) ومع هذه الآيات الكونية ومع آيات الوحى المنزل ذكّر الناس فإن الذكرى نافعة، ولكن الناس مع التذكر ليسوا سواء فمنهم من