العمل إذن؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «كل عامل ميسر لعمله» رواه ابن جرير ورواه مسلم عن أبى الطاهرة.
ومنها ما رواه ابن جرير كذلك عن بشير بن كعب العدوى قال: سأل غلامان شابان النبى صلّى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله أنعمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أو فى شىء يستأنف؟، فقال: «بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير»، قالا:
ففيم العمل إذا؟ قال: «اعملوا فكل عامل ميسر لعمله الذى خلق له»، قالا: نجدّ ونعمل. وهذا الفهم وتلك الاستجابة من الشابين هى المقصودة، أن نجدّ ونعمل بما أمرنا.
ومن هذه القيم البذل والعطاء حتى يتكافل الناس ولا يقع إنسان فى آلامه صريع الحاجة، روى ابن جرير عن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما من يوم غربت فيه شمس إلا وبجنبيها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين:
اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا»
، وأنزل الله فى ذلك القرآن: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) ورواه ابن أبى حاتم عن أبيه «١» عن ابن أبى كبشة بإسناده مثله.
ونتابع القول فى سورة الليل وما تضمنته من معان وقيم، يقول الله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلَّا
الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى
(٢١).
فمن هذه القيم العظيمة التى ترسيها هذه السورة، الاطمئنان إلى فضل الله بعباده ورحمته بخلقه فى هداية الفطرة من ناحية، فهو الذى خلق فسوى وقدّر فهدى، كما مر بنا فى السورة السابقة، ومن فضله كذلك ما بينه لخلقه من الهداية بإرسال الرسل بالكتب والآيات حتى لا يكون هناك حجة لأحد.
والقيمة الأخرى التى يطمئن بها قلب المؤمن أن الكل لله، والآخرة والأولى لله فهو المالك والمتصرف فيهما، وهذا ما أكد عليه فى أكثر من سورة سابقة فهو رب العالمين ومالك يوم الدين وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) وسيأتى هذا بعد ذلك فى

(١) ابن كثير ٤/ ٥١٨، ٥١٩.


الصفحة التالية
Icon