وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت فى أبى بكر الصديق رضي الله عنه حتى أن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك، ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها فإن لفظها لفظ العموم، ولكنه مقدم الأمة، وسابقهم فى جميع هذه الأوصاف، وسائر الصفات الحميدة؛ لأنه كان صديقا تقيا كريما بذالا لأمواله فى طاعة مولاه ونصرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حكيم دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم، ولم يكن لأحد من الناس عنده منّة يحتاج إلى أن يكافئه بها ولكن كان إحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له عروة بن مسعود- وهو سيد ثقيف يوم صلح الحديبية: أما والله لولا يدلك عندى لم أجزك بها لأجبتك، وكان الصديق قد أغلظ له فى المقالة، فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ولهذا قال تعالى: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١).
هذه المجموعة من القيم ترسيها سورة الليل فى المجتمع الذى فتح قلبه لوحى ربه، وصار يطارد ظلمات الجاهلية كما يطارد النهار ظلمات الليل، فالليل لا يبقى مع هذا المنهج بظلماته، ولكن يكون بسكنه وهدوئه ليجد النائم فيه راحته وسكنه، وليكون فى جزء منه مجال قيام ودعاء واستغفار بالأسماء؛ لنجد السورة الكريمة التى تنزل بعد ذلك تذكر الناس بجوانب أخرى مع قسم جديد بالفجر وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥) [الفجر].


الصفحة التالية
Icon