وكذلك ما يتعلق بالسلوك الاجتماعى مع ضعاف الناس، وتقويم السلوك الإنسانى بتذكر المصير والرجوع إلى الله سبحانه، وبيان حالة النفس الراضية المرضية.
ويكون التعليم فى هذه القضايا بأساليب قرآنية كريمة منها ما يتصل بعرض نماذج الفساد والطغيان السابقة والتى وقعت فى الأمم، وكان مصيرها الهلاك، ولا يخفى ذلك على ذى لب، فإن كان المشركون فى عنادهم وتحديهم يرون أنهم فى قوة فقد كان الطغاة قبلهم أشد منهم قوة أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (١٦) وهؤلاء كانوا متمردين عصاة جبارين عن طاعة الله مكذبين لرسله، جاحدين لكتبه فانظر كيف أهلكهم الله ودمرهم وجعلهم أحاديث وعبرا. ونجى الله رسوله هودا من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم وأهلك الآخرين ب صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) [الحاقه].
إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التى ترفع بالأعمدة الشداد، وقد كانوا أشد الناس فى زمانهم خلقة وأقواهم بطشا، ولهذا ذكرهم نبيهم هود بتلك النعمة وأرشدهم إلى أن يستعملوها فى طاعة ربهم الذى خلقهم فقال:
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩) [الأعراف] وقال تعالى: فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصلت: ١٥] والنموذج الآخر من الطغيان يتمثل فى ثمود الذين جابوا الصخر بالواد، يعنى يقطعون الصخر بالوادى، وهذا دليل قوة.
قال تعالى: وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) [الشعراء]، والنموذج الثالث: وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠) فكان يوتد الناس بالأوتاد تعذيبا لهم على ما ذكر مجاهد فهؤلاء يمثلون نماذج من الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فانظروا إليهم وانظروا كيف أنزل الله عليهم رجزا من السماء، وأحل بهم عقوبة لا يردها عن القوم المجرمين. فلا يحسبن هؤلاء أن الله غافل عن المجرمين إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤) يسمع ويرى ويرصد خلقه فيما يعملون ويجازى كلا بسعيه، فى الدنيا والأخرى، وسيعرض الخلائق كلهم عليه فيحكم فيهم بعدله، ويقابل كلا بما يستحقه وهو المنزه عن الظلم والجور.