أولى الشفاعات وهى المقام المحمود، فيجىء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ قال الإمام مسلم فى صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» فهذه الصورة المهيبة التى يطالعها الإنسان فى سورة الفجر وكأنه يشاهدها رأى عين عندها يتذكر الإنسان عمله وما كان أسلفه من خير أو شر، ولكن يومئذ هل تنفعه الذكرى؟ ساعتها سيندم على ما كان سلفا منه من المعاصى إن كان عاصيا، وسيودّ- أيضا- لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعا. كما قال الإمام أحمد- رحمه الله- فيما يرويه عن محمد بن عمرة «١»، وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: لو أن عبدا خر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت فى طاعة الله لحقره يوم القيامة، ولودّ أنه ردّ إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب.
فيومئذ ليس أحد أشد عذابا من تعذيب الله سبحانه من عصاه، وليس أحد أشد قبضا من الزبانية لمن كفر بربهم عز وجل.
وهذا العرض القرآنى يزجر الناس ويعينهم على الخلاص من أدران الجاهلية ومن الإجرام والظلم والاستقامة على صراط ربهم المستقيم، وتكتمل هذه الصورة بما يحفز أصحاب النفوس الزكية المطمئنة التى تستقبل وحى ربها لتسير عليه، وتدور مع الحق حيث دار، عند ما يوجه إليهم هذا الخطاب الكريم الذى يغمر النفس بالسعادة والهناء والرضى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠) وهذا يقال لها عند الاحتضار، وفى يوم القيامة.
وقال ابن أبى حاتم فيما يرويه عن ابن عباس رضي الله عنهما فى قوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) قال: نزلت وأبو بكر جالس فقال: يا رسول الله ما أحسن هذا، فقال: «أما إنه سيقال لك هذا» «٢» وروى الحافظ ابن عساكر فى ترجمة رواحة بنت أبى عمرو الأوزاعى عن أبيها حدثنى سليمان ابن حبيب المحاربى حدثنى أبو أمامة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لرجل: «قل اللهم إنى أسألك نفسا بك مطمئنة تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك».

(١) ابن كثير ٤/ ٥١٠.
(٢) ابن كثير ٤/ ٥١٠، ٥١١.


الصفحة التالية
Icon