عليه سفهاء قريش وجهالهم فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار، إلى المدينة المنورة كما أجرى الله سنته على الوجه الأتم الأكمل فلما وصل إليهم آووه ونصروه وقاتلوا بين يديه رضى الله عنهم أجمعين، وكل هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به.
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (٧) وذلك مثل قوله تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا [الشورى: ٥٢]، وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (٨) أى كنت فقيرا ذا عيال فأغناك الله عمن سواه، فجمع الله له بين درجتى الفقير الصابر والغنى الشاكر. وفى ذلك قدوة لكل أفراد أمته ممن يكون فقيرا، وممن يكون غنيا فصلوات الله وسلامه على سيدنا محمد.
ونتابع ما تضمنته سورة الضحى من المعانى الكريمة على ترتيب نزولها، فبعد أن ذكر الله رسوله صلّى الله عليه وسلم بما منّ عليه من نعم ظاهرة وباطنة تدل على إكرامه له وعنايته به ورعايته له، وحبه إياه رادا على قول المشركين وزعمهم أن ربه قلاه. تتناول السورة الكريمة معانى جليلة تتلاءم مع النعم المذكورة من ناحية، ولا غنى للناس عنها من ناحية أخرى فترسيها السورة فى نفوس المؤمنين، ليؤسسوا أمتهم على مكارم الأخلاق وحسن الصفات والتكافل الصحيح فى الجوانب المادية والمعنوية،
وهذا الربط بين ذكر النعم الخاصة برسول الله صلّى الله عليه وسلم وهذه الأوامر الربانية فى السورة من قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١) ربط يعين الناس على تحقيق هذه الأوامر.
فقد رأوا هذه الحالات مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فحالة اليتم- مثلا- وجدوها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى نشأته وعرفوا ما منّ الله به عليه وهو اليتم حتى أصبح قلبه يسع الجميع حبا ورحمة ولينا وعطفا فلا ينبغى- إذن- أن يستمر الناس فيما هم عليه من أمر الجاهلية فى النظر إلى اليتيم نظرة القهر والازدراء والضعف حتى يشعره الناس بأنه منبوذ وأنه ضعيف وأنه لا مجال له فى الحياة بعد أن فقد سنده من الأبوة الحانية. إن تذكير الرسول صلّى الله عليه وسلم بحالة اليتم وإيواء الله له، وهو سيد ولد آدم رفع لمكانة اليتيم فى نظر الناس وأنه لا يجوز لهم أن يضعوه موضع الامتهان، أو أن يحتقروه ولا يتوقعوا منه خيرا. وما رآه الناس من هذه النعمة، وما جعل الله على يد رسوله من الرحمة والخير