للعالمين يؤكد النظرة الجديدة التى ترسيها سورة الضحى ثم يأتى الأمر الملزم والموجه إلى الرسول الكريم والمؤمنين: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وهذا النهى عن قهر اليتيم قمة التكافل الاجتماعى الذى يتناول الجوانب المادية الظاهرة والجوانب المعنوية كذلك.
فلا يجوز للأمة المسلمة أن تعرض اليتامى الذين حرموا من عطف آبائهم إلى الشعور بالذلة أو الإهانة بسبب يتمهم بل يكونوا لهم آباء حتى إذا حرم اليتيم من أب وجد له من أمته آباء رحماء يمسحون على رأسهم عطفا وحنانا، ويقومون على رعايتهم إنفاقا وإشباعا لحاجاتهم المادية. وهذا رفع لما يمكن أن يقعوا فيه من القهر بسبب اليتم.
وهذا ما فهمه علماؤنا من هذا الأمر الكريم قال قتادة فى تفسير ذلك: كن لليتيم كالأب الرحيم. وقال ابن كثير: أى كما كنت يتيما فآواك الله فلا تقهر اليتيم أى لا تذله وتنهره وتهنه ولكن أحسن إليه وتلطف له «١». وفى هذا علاج لعدد كبير من أبناء الأمة، وتخفيف من حدة الأثرة وحب الذات التى كانت أبرز سمات الجاهلية، إنها توجيه إلى التفكير فى الآخرين وخاصة فى الضعفاء منهم، والإحساس بهم والشعور الكريم نحوهم. وفى الوقت نفسه حماية للأمة من فساد يمكن أن تقع فيه بإهمال هذا الأمر حيث أن إهمال أمر اليتيم وقهره يجعل منه عضوا حاقدا على أمته، لم تكتمل فيه معانى العطف والرحمة، إلا من رحمه الله.
ويؤكد هذا المعنى الإيجابى نحو الآخرين فى الأمر الثانى وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) فاليتيم بحاله فى حاجة إلى مد اليد إليه معنويا وماديا، سأل أو لم يسأل، وليس اليتيم هو الضعيف الوحيد فى الأمة، بل قد يصل الضعف ببعض حالات الأمة التى بدأ بناؤها منذ نزول الوحى إلى حد رفع الصوت بطلب ما يحتاجه الضعيف من الفقراء والمساكين، وهؤلاء أيضا ينبغى أن يكونوا محل عناية الأمة التى تربى على التكافل الصحيح فالأمر بعد الوحى لم يصبح نفسى نفسى، بل صار الخلق الجديد وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) فالمفترض أن السائل لا يسأل إلا عن حاجة وأن المسئول إما أن يكون مستطيعا للوفاء بهذه الحاجة وإما أن يكون عاجزا عن ذلك، وعلى الحالين يربى الإسلام فى أبنائه الشعور المرهف نحو السائلين فمع القدرة تكفى الحاجات، ومع العجز تكون الكلمة الطيبة والوعد الحسن حفاظا على ماء الوجوه وصيانة للروابط بين أفراد الأمة، ويأتى هذا الأمر الكريم كذلك فى معرض التذكير بأن الإغناء من الله، وأن

(١) ابن كثير ٤/ ٥٢٣.


الصفحة التالية
Icon