سورة «الماعون»
وهى مكية فى قول عطاء وجابر وأحد قولى ابن عباس. ومدنية فى قول له آخر، وهو قول قتادة وغيره «١»، وقيل الآيات الثلاث الأولى مكية والأربع الأخرى مدنية.
يقول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧).
وهذه السورة الكريمة تنبه الناس بالنظر والرؤية إلى حقيقة ما نزّل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنّه الخير كله، وأن سعادة الناس فيه، وأن مقتفى التصديق بما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلم من ذكر المعاد والجزاء والثواب، وما جاء به من كل أمر ونهى يجعل الإنسان مستقيما فى سلوكه مع ربه، وفى سلوكه مع الناس، وفى استقامته بنفسه وتزكيتها، والتكذيب بما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبقى على معانى الجاهلية فى الناس من قسوة فى القلب على الضعفاء من اليتامى والمساكين، ومن وقوع الناس فى النفاق والرياء فلا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا، ويقفون من مجتمعهم موقفا سلبيا فلا تعاون ولا بذل لما فى أيديهم مما اعتاد الناس أن يتعاونوا فيه.
وعلى ذلك يكون الفهم الصحيح لمفهوم الدين الذى جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إنه لا يمثل جزئية واحدة من جزئيات الحياة ويترك بقية الأجزاء إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: ٩] وهذه الهداية فى كل شئون الحياة. وتبدأ السورة الكريمة بهذا التساؤل وهذا الاستفهام «أرأيت يا محمد الذى يكذب بالدين؟» إن هذا الذى يكذب بالدين هو ذلك القاسى الذى يقهر اليتيم ويدفعه بعنف وشدة، ويظلمه حقه، ولا يطعمه ولا يحسن إليه، وهو الذى لا يعرف قلبه الرحمة فلا يطعم المسكين، ولا يحض غيره على هذا الإطعام، وهذه المظاهر القاسية لها وجودها فى الناس، وتأصّلها بالتكذيب بالدين ولو استجابوا لتغير الحال وتمضى السورة الكريمة فى كشف فساد آخر يقع فيه الإنسان وهو فساد النفاق الذى ظهر بعد هجرة النبى صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة، وبعد أن قوى شأن المسلمين