وأصبحت لهم فى نفوس الناس مكانة مهيبة فأظهر بعض الناس الإسلام وأبطنوا غيره.
وهذا المعنى ينسجم مع القول بأن الأربع آيات الأخيرة والتى تبدأ بقوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) مدنية. وأما على أنها مكية فيكون هذا تحذيرا مما سيقع فيه بعض الناس من السهو عن الصلاة ومراءاة الناس ومنع الماعون. قال ابن عباس رضي الله عنهما فى قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) يعنى المنافقين الذين يصلون في العلانية ولا يصلون فى السر «١».
ولهذا قال: لِلْمُصَلِّينَ الذين هم من أهل الصلاة، وقد التزموا بها ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية- كما قال ابن عباس- وإما عن فعلها فى الوقت المقدر لها شرعا فيخرجها عن وقتها بالكلية كما قاله مسروق وأبو الضحى. وقال عطاء بن دينار: الحمد لله الذى قال: عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) ولم يقل فى صلاتهم ساهون. وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخرة دائما أو غالبا، وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به، وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل ذلك كله ولكل من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية، ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها وكمله له النفاق العملى، كما ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرنى الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا» فهذا آخر صلاة العصر التى هى الوسطى كما ثبت به النص إلى آخر وقتها وهو وقت كراهة ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا، ولهذا قال: لا يذكر الله فيها إلا قليلا، ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس لا ابتغاء وجه الله فهو كما لم يصل بالكلية قال الله تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٣) [النساء] وقال الله تعالى هاهنا: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) ومما يتعلق بذلك أن من عمل عملا لله سبحانه فاطلع عليه الناس فأعجبه ذلك لا يعدّ رياء. فإن العمل مرتبط بنيته وما دامت لله سبحانه فليست من الرياء «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».
وهؤلاء المراءون يضافون إلى معنى المكذبين بالدين وتضاف إليهم هذه الصفة