سورة «الفيل»
ونزلت بعد سورة «الكافرون». والتى أعلنت البراءة مما يعبد «الكافرون» وأنه لا مساومة على العقيدة، نزلت سورة الفيل لتنبه وتذكر المؤمنين، ولتفتح أيضا عيون الكافرين على واقعة تاريخية يعرفونها ولكن لا يحسنون الانتفاع بها، نزلت السورة الكريمة يقول الله تعالى فيها: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥).
فبداية السورة بهذا الاستفهام الذى يدعو إلى النظر، والرؤية التاريخية والاعتبار بما حدث قريبا فى العام الذى اتخذوه عاما للتأريخ فكانوا يقولون: حدث هذا عام الفيل أو قبله أو بعده. ومن ذلك ما عرف من مولد النبى صلّى الله عليه وسلم فى عام الفيل على أشهر الأقوال «١».
فأما تذكير المؤمنين وأوّلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فإنه جاء بعد إعلان البراءة من الكافرين وعبادتهم ومما يعبدون ورفض المساومة، وهذا التذكير يتصل باليقين الذى ينبغى أن يملأ قلوب المؤمنين فى ضعف الكافرين، وضعف المعتدين على السواء، وأن الله تعالى ناصر لجنده ومؤيد لحزبه، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، فأما ضعف الكافرين فإنهم هزموا أمام جيش أبرهة، ولم يستطيعوا مواجهته فى طريقه إليهم، وبعد وصوله إلى ديارهم، وأما ضعف أصحاب الفيل، فمع قوتهم وقدومهم بأسلحة لا قبل للعرب المشركين بها، ومنها الفيلة فإنّ الله تعالى جعل كيدهم فى تضليل، فلم يصلوا إلى ما يريدون من هدم بيت الله الحرام، وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول. وهذا تلقين لسنة من سنن الله تعالى فيما يكون من مواجهة بين أهل الحق وأهل الباطل تذكّرنا بها سورة الفيل ومن عناصر هذه السنة:
أولا: أن الحق منتصر دائما قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ [الأنبياء: ١٨].
ثانيا: أنه إذا كان للحق من ينتسب إليه انتسابا صحيحا يعتد به فإنهم يختبرون فى

(١) تفسير ابن كثير ٤/ ٥٤٩.


الصفحة التالية
Icon