علاقتها بربها فأساءت إلى الناس، وكادت لهم وأخذت تدبر لإيقاع الأذى بهم، وتسعى جاهدة لإزالة النّعم التى يرونها على غيرهم، إنها فئة النفاثات فى العقد، وفئة
الحاسدين، وبهما تشقى الأمم. فماذا يفيد السواحر من هذا الشر؟ وماذا يفيد الحسود من حسده لخلق الله. إنهما أشقى فئتين تتخصصان فى أذى الناس بلا عائد يعود عليهما اللهم إلا النار التى تحرق أكبادهم، وأما المؤمنون فلهم الله يلجئون إليه ويستعيذون به من شر النفاثات فى العقد ومن شر حاسد إذا حسد، فيبطل كيد الساحرين، ويرد بغى الحاسدين، ولا يصيبهم إلا ما كتب الله لهم.
ومعنى ذلك أن المؤمنين وقت التنزيل المبارك للسورتين كانوا قد وصلوا إلى ما يسرّ من كثرة عدد وصلابة وقوة وثبات، وعليهم مع هذا أن يعرفوا أعداءهم وأساليبهم، وأنه لا عاصم لهم من شرورهم إلا الله سبحانه. سواء كانت هذه الشرور ظاهرة منهم أم خفية، وما على المؤمنين إلا أن ينتبهوا حتى لا يقعوا تحت تأثير بعض ما خفى، وهذا المعنى يتأكد كذلك فى سورة الناس حيث يقول الله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦). فهذا بيان للعداوة والخطر والشر فى وسوسة الصدر من قبل شياطين الإنس والجن، قال تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام: ١١٢] فالوسوسة فى الصدر لتحسين الشر والأمر بالسوء والفحشاء والتشكيك فى العقيدة وأن يقول الإنسان على الله ما لا يعلم، والتثبيط عن الخير، من الجنّة والناس. والناس مشاهدون ويسمعون، ولكنّ وسوسة الجن تعرف بآثارها فإن وجد المرء شيئا من هذه المنهيات حديثا فى النفس للتشكيك فى الغيبيات أو للتثبيط عن الطاعات أو التزيين للشهوات والمحرمات فهذا دليل على وجود وسوسة الشيطان فى الصدر. لذلك يلجأ المؤمن مباشرة إذا وجد هذا إلى رب الناس ملك الناس إله الناس سبحانه ليحميه ولينقذه من شر الوسواس الخناس. فإذا قلنا إن الوسوسة من الجن والإنس وذكر صفات الله سبحانه وتعالى فى الآيات بأنه رب الناس وملك الناس وإله الناس فهل يدخل فى معنى الناس الجن، نقول: قد قال بهذا فعلا ابن جرير وأنهم دخلوا فى الناس تغليبا، وقد استعمل فيهم رجال من الجن، فلا بدع فى إطلاق الناس عليهم، والتفصيل قد بيّن ذلك فى قوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦) فصفات الله سبحانه- هنا- الربوبية والملك


الصفحة التالية
Icon