لقد عرضت سورة النجم مسائل أساسية لا بدّ منها فى مخاطبة المدعوين: منها الاطمئنان إلى أساس الدين كله والتمثل فى الوحى، والاطمئنان على مسيرة الوحى إلى النبى صلّى الله عليه وسلم وتزكية النبى صلّى الله عليه وسلم وأنه الأمين فى تبليغ الناس وتعريفهم بحقائق الغيب التى يطلعه الله عليها ويأمره بتبليغها. وإذا تم هذا البسط تخاطب السورة الكريمة الناس فيما وقعوا فيه من ضلال نتيجة عدم الإقبال على وحى الله، وأخذ المعرفة الصحيحة عنه وتصحيح المفاهيم منه، والتحرر من الظن وما تهواه الأنفس مما يخالف الحق فيقول الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى.
ثم تعرض السورة الكريمة لمسألة نفسية عظيمة تحسم للإنسان تطلعاته التى تتبعه أحيانا لتربط هذه التطلعات بقضاء الله وقدره وأن مشيئة الإنسان ورغباته لا سبيل إلى تحقيقها إلا بمشيئة الخالق جل جلاله. فلتكن الأمنيات- إذن- كريمة، ولتكن التطلعات صالحة، وليكن هوى الإنسان على ما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلم. هذا يخاطب به الإنسان فى حدود أمانيه، وقدراته، ويخاطب به كذلك فى حدود محاولة الإنسان التعلق بغيره لتحقيق رغباته يقول الله تعالى: أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦).
وتكاشف السورة الكريمة الناس بجرأتهم على عالم الغيب والقول فيه بالظن، والظن لا يغنى فى هذا المجال شيئا. بل سبيله- كما ذكرنا- الوحى وحده، والإخبار الذى يأتيهم عن طريق رسول الله صلّى الله عليه وسلم وحده يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨).
فكيف يعتقد هؤلاء المشركون أن الملائكة إناث ويزعمون أنهم بنات الله، تعالى الله عن قولهم هذا. فمن الذى أخبرهم بهذا؟ وهل شهدوا خلق الملائكة.
إنها قضية لا تقتصر على تسمية الملائكة، ولا تقتصر على وصف الله سبحانه بما لا يليق بجلاله، وإنما القضية فى منهجهم الخاطئ فى اقتحام عالم الغيب، والخوض فيه بغير علم والسير فيه بالظن والظن لا يغنى من الحق شيئا. وماذا يصنع الرسول صلّى الله عليه وسلم مع هؤلاء المتبعين لأهوائهم، والذين فسدت مناهجهم وتولوا وأعرضوا عن الوحى وتعلقوا بدنياهم وساروا على ظنهم؟!!. إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحزنه هذا؛ لأنه حريص على


الصفحة التالية
Icon