صورة مجىء ملك الوحى فى هيئة رجل
وهى صورة أخرى من صور الوحى مع النبى صلّى الله عليه وسلم، يتكلم معه الملك فى مشهد من أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلم. ويعنى هذا أن الجالسين يرونه، ويسمعون قوله، يتضح ذلك بتأملنا فى الحديث الذى رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل، شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبى صلّى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد: أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا»، قال:
صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرنى عن الإيمان، قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره»، قال:
صدقت، قال: فأخبرنى عن الإحسان، قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، قال: فأخبرنى عن الساعة، قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل»، قال: فأخبرنى عن أماراتها، قال: «أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون فى البنيان»، قال: ثم انطلق فلبثت مليا، ثم قال لى: «يا عمر أتدري من السائل؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» «١».
ففي هذا الحديث الجامع الذى قال عنه القاضى عياض رحمه الله فيما حكاه النووى، فى شرحه للحديث فى صحيح مسلم: «وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة؛ من عقود الإيمان، وأعمال الجوارح، وإخلاص السرائر، والتحفظ من آفات الأعمال، حتى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه، ومتشعبة منه، قال: وعلى هذا الحديث وأقسامه الثلاثة ألّفنا كتابنا الذى سميناه ب «المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان»؛ إذ لا يشذ شىء من الواجبات والسنن والرغائب والمحظورات والمكروهات عن أقسامه الثلاثة، والله أعلم «٢».
(٢) صحيح مسلم بشرح النووى ١/ ١٥٨.