والقومية الضيقة ودخولا فى رحابة الإسلام وقيمه.
ولما وقع بين أبى ذر الغفارى وبلال بن رباح رضي الله عنهما ما جعل لسان أبى ذر يخاطب بلالا بقوله: «يا بن السوداء» غضب لذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم غضبا شديدا، وقال: «يا أبا ذر طفّ الصاع ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل» «١» وتكون استجابة أبى ذر تكفير لهذه الفلتة أن يضع جبهته على الأرض يقسم ألا يرفعها حتى يطأها بلال.
وكان صلّى الله عليه وسلم يقول عن عمار بن ياسر- وقد استأذن عليه- «ائذنوا له، مرحبا بالطيب المطيب» «٢».
وأما جليبيب وهو رجل من الموالى رضي الله عنه فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخطب له بنفسه ليزوجه امرأة من الأنصار فلما تأبى أبواها قالت هى: أتريدون أن تردوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمره؟ إن كان رضيه لكم فأنكحوه فرضيا وزوجاها «٣».
وقد افتقده رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الوقعة التى استشهد فيها بعد فترة قصيرة من زواجه. فعن أبى برزة الأسلمى رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى مغزى له فأفاء الله عليه. فقال لأصحابه: «هل تفقدون من أحد؟» قالوا: نعم فلانا وفلانا وفلانا.
ثم قال: «هل تفقدون من أحد؟»، فقالوا: لا. قال: «لكنى أفقد جليبيبا» فطلبوه فوجدوه إلى جنب سيفه قد قتلهم ثم قتلوه، فأتى النبىّ، صلّى الله عليه وسلم فوقف عليه، ثم قال:
«قتل سبعة ثم قتلوه هذا منى وأنا منه». ثم وضعه على ساعديه، ليس له سرير إلا ساعدا النبى صلّى الله عليه وسلم- قال: فحفر له، ووضع قبره ولم يذكر غسلا. أخرجه مسلم.
وقد أثمرت هذه التربية فى أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلم الذين استجابوا لوحى ربهم، وعلى سبيل المثال فأبو بكر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحفظ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما أراده فى أمر أسامة فكان أول عمل له بعد توليه الخلافة، هو إنفاذه بعث أسامة على رأس الجيش الذى أعده رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسار يودعه بنفسه إلى ظاهر المدينة فى مشهد عجيب، أسامة راكب وأبو بكر الخليفة راجل يمشى. فيستحى أسامة أن يركب وهو الفتى وأبو بكر يمشى وهو الخليفة والشيخ: فيقول: يا خليفة رسول الله لتركبنّ أو لأنزلنّ، فيقسم الخليفة، والله لا تنزل. وو الله لا أركب. وما علىّ أن أغبّر قدمىّ فى سبيل الله ساعة.

(١) أخرجه ابن المبارك فى البر والصلة.
(٢) أخرجه الترمذى.
(٣) مسند أحمد عن أنس.


الصفحة التالية
Icon