البداية سويّة قال ابن كثير رحمه الله فى قوله تعالى: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) أى خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة كما قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم: ٣٠] وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهمة بهمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟» أخرجاه من رواية أبى هريرة، وفى صحيح مسلم من رواية عياض بن حمار المجاشعى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل:
إنى خلقت عبادى حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم» «١» ولكى يعينهم الله على شياطينهم أرسل إليهم رسولا كريما يتلو عليهم آياته ويزكيهم وأرشدهم الله وبين لهم الخير والشر ورغبهم فى الخير وأثابهم عليه وحذرهم من الشر، وعاقبهم عليه.
ومن بين هذه المحاذير التى تعين على سبيل التزكية وتبعد عن طريق الفجور والمعصية أن يقدم الذكر الحكيم، وفى هذه السورة تجارب السابقين، وما صنعوا، ومن هذه التجارب إهمال الناس للعابثين والمفسدين حتى يجر عليهم هؤلاء العابثون الويل والدمار والخراب وهذا المعنى يذكر فى هذا الوقت لينبه إلى الزعامات الضالة التى تولت الصدّ عن سبيل الله، وتعذيب المؤمنين والجرأة على أموالهم وأعراضهم ونفوسهم كنموذج الذى تولى فى سورة النجم ونموذج من استغنى فى سورة عبس. وكيف أن هؤلاء يكونون مصدر بلاء وخطر شديد على أقوامهم يقول الله تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥).
فثمود كذبت رسولها بطغيانها وتكبرها وعتوها. ولم يعبئوا بقوله وتحذيره، وتجرءوا على مخالفة أمره، وانتدبوا لهذه الجرأة عزيزا فيهم فعقر الناقة، فأطبق عليهم العذاب. يقول ابن كثير رحمه الله فى قوله تعالى: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) أى أشقى القبيلة وهو قدار بن سالف عاقر الناقة وهو أحيمر ثمود وهو الذى قال الله تعالى: فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) [القمر] الآية وكان هذا الرجل عزيزا فيهم شريفا فى قومه نسيبا رئيسا مطاعا كما قال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير حدثنا هشام عن أبيه عبد الله بن زمعة قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذى عقرها فقال:
«إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) انبعث لها رجل عارم عزيز منيع فى رهطه مثل أبى زمعة» ورواه البخارى فى التفسير ومسلم فى صفة النار والترمذى والنسائى فى التفسير من سننهما وكذا ابن جرير وابن أبى حاتم «٢».
(٢) ابن كثير ٤/ ٥١٧.