سورة «قريش»
وهى مكية فى قول الجمهور نزلت بعد سورة «التين» وأما فى قول الضحاك والكلبى فمدنية «١» والسورة الكريمة تقرع آذان قريش بما منحوا من نعم تستوجب عبادتهم لربهم الذى منّ عليهم بها قال تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤): فهل يليق مع هذه النعمة أن يعبدوا غيره ولذلك قيل فى معنى اللام من لِإِيلافِ قُرَيْشٍ أنها لام التعجب كأن المعنى: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف وتركهم عبادة ربّ هذا البيت. قاله الأعمش والكسائى. وقيل: إن معناها متصل بما بعدها ويكون المعنى:
فليعبدوا ربّ هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف لأنهم كانوا فى الرحلتين آمنين، فإذا عرض لهم عارض قالوا: نحن أهل حرم الله فلا يتعرّض لهم. وقيل: إن المعنى متصل بما كان من أصحاب الفيل وإهلاك الله لهم لتبقى قريش وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف وهذا قول الفراء والجمهور.
وعلى ذلك فإن السورة الكريمة تنبه هؤلاء الذين وقفوا من الدعوة موقفا متباينا، فأما من آمن منهم فقد هدى إلى شكر هذه النعمة، وأما من ظل على كفره وعناده وتكذيبه وتعذيبه للمؤمنين فقد غفل عن هذه النعمة التى خص الله بها أهل مكة. فقد جعل فيها أول بيت وضع للناس إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [آل عمران].
وجعل الله لهذا البيت حرمته، وجعل مكة حراما لا يحل لأحد أن يفكر فى إحداث أمر فظيع بها وإلا عاقبه الله بالعذاب الأليم، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥) [الحج] أى من يهم فيه بأمر فظيع من المعاصى الكبار عامدا قاصدا أنه ظلم ليس بمتأوّل كما قال ابن جريج عن ابن عباس. حتى أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لو أن رجلا أراد فيه بإلحاد بظلم وهو بعدن أبين لأذاقه الله من العذاب الأليم «٢». وقد عرف الناس من أهل مكة هذا، وقد مرت بنا سورة الفيل لتذكّر
(٢) ابن كثير ٣/ ٢١٤، ٢١٥.