فى الدنيا، فسيكونون يوم القيامة كالفراش المبثوث فى انتشارهم وتفرقهم وذهابهم ومجيئهم من حيرتهم مما هم فيه كأنهم فراش مبثوث، كما قال تعالى فى الآية الأخرى:
كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) [القمر].
وذكر الماوردى: أن هذا التشبيه للكفار فهم يتهافتون فى النار يوم القيامة تهافت الفراش «١». وروى مسلم فى صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى
الله عليه وسلم:
«مثلى ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا، فجعل الجنادب (وهى كالجراد) والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدى» «٢».
فأول حال الناس كالفراش لا وجه له يتحيّر فى كل وجه، ثم يكونون كالجراد لأن لها وجها تقصده.
وأما الجبال التى يشاهدها الناس فى شدة خلقها وضخامتها فتكون يوم القيامة كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) أى الصوف الذى ينفش باليد أى يصير هباء وتزول كما قال جل ثناؤه فى آية أخرى: هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) [الفرقان].
فإذا عرف الناس حقائق المصير فقد تكون هذه المعرفة سبيلا إلى تصحيح مسيرتهم فى الدنيا حتى يكونوا ممن ثقلت موازينه أى رجحت حسناته على سيئاته- كما يذكر ابن كثير رحمه الله- وليكون فى عيشة راضية يعنى الجنة وما أعده الله فيها لعباده الصالحين من أنواع النعيم وحتى لا يكونوا ممن خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) أى رجحت سيئاته على حسناته فيهوى إلى جهنم وسمّاها أمّا لأنه يأوى إليها كما يأوى إلى أمه.
فبئست الأم وبئست المربية: وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١) أى شديدة الحرارة وفى صحيح مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «ناركم هذه التى يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حرّ جهنم» قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله، قال: «فإنها فضّلت عليها بتسعة وستين جزءا كلها مثل حرّها».
وهل يقوى الإنسان على نار الدنيا؟ إن التفكير فى هذا يورث الخشية وكما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبى صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان يغلى
(٢) مسلم ٤/ ١٧٩٠ رقم (٢٢٨٥).