سورة «البلد»
وبعد المعالجة السابقة فى سورة «ق» تنزل سورة البلد لتذكر الناس بنعمة المكان الذى يقيمون فيه. وموقع الإنسان فى هذه الحياة وما يكابده، وكيف تلعب الظنون بهذا الإنسان فيترك الطريق السوىّ وينسى نعم الله عليه. وتقدم السورة الكريمة للإنسان طريق أصحاب الميمنة، وتحذره من طريق أصحاب المشأمة فالسورة كلّها مكية باتفاق ونزلت بعد سورة «ق» قال تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠).
وعالجت سورة البلد مجموعة من المسائل والقضايا المتعلقة بالإنسان وما أنعم الله به عليه من نعم كثيرة، منها ما يخصّ أهل مكة من تمتعهم بأمن الحرم، فقد مكّن الله لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كلّ شىء، وجعله الله مثابة للناس وأمنا. وشرفهم بحلول الرسول وبعثته فى هذا البلد الأمين أفضل البلدان على الإطلاق. روى الإمام أحمد وابن ماجة والترمذى وصححه عن عبد الله بن عدى بن الحمراء أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «والله إنك لخير أرض الله وأحبّ أرض الله إلى الله، ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت». وروى الترمذى وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبك من بلد، وأحبّك إلىّ، ولولا أن قومى أخرجونى منك ما سكنت غيرك» «١» فنعمة الحرم ونعمة حلول الرسول وبعثته فى مكة المكرمة ونعمة التوالد والخروج المستمر والذى تعمر به هذه الحياة بدءا بآدم عليه السّلام وما نسل من ولده وما فى هذا التوالد المتنوع من آيات القدرة والإبداع فذكر المكان وذكر الإنسان