سورة «الطارق»
نزلت بعد سورة البلد بمكة المكرمة أخرج البيهقى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ بمكة. وأخرج أحمد والبخارى فى تاريخه، والطبرانى وابن مردويه عن خالد العدوانى أنه أبصر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى سوق ثقيف وهو قائم على قوس أو عصى حين أتاهم يبتغى النصر عندهم، فسمعه يقرأ وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ حتى ختمها، قال: فوعيتها فى الجاهلية، ثم قرأتها فى الإسلام، قال: فدعتنى ثقيف فقالوا: ماذا سمعت من هذا الرجل، فقرأتها فقال من معهم من قريش: نحن أعلم بصاحبنا، لو كنا نعلم ما يقول حقا لاتبعناه «١».
وسورة الطارق تأخذ بأبصار الناس إلى السماء ذات النجوم الساطعة التى تطلع ليلا، ليهتدى بها الناس فى ظلمات البر والبحر. وذات الرجع ترجع بالمطر وترجع أيضا بالأقدار، وتأخذ السورة أبصارهم كذلك إلى الأرض ذات الصدع فتنصدع الأرض للنبات، وتنصدع الأرض كذلك عن الأموات وتأخذ الأبصار كذلك إلى ما بين السماء والأرض، وما يتعلق بالإنسان نفسه فى خلقته من الماء الدافق الذى يخرج من الموضع الصعب من الصلب والترائب، تأخذ السورة الناس فى هذه الجولة الفكرية التى يدركون بها مظاهر قدرة الخالق سبحانه ولطفه بعباده ورحمته بهم فالذى صنع هذا هو الذى جعل على كل نفس حفظة يحفظون عليها رزقها وعملها وأجلها «٢».
وهو الذى سيعيد الإنسان مرة أخرى فهو على رجعه لقادر. وهو الذى سيبدى يوم القيامة كلّ سرّ خفى فيكون زينا فى الوجوه وشينا فى الوجوه «٣». وما كان منكتما فى الدنيا فإنه يظهر عيانا للناس فيظهر برّ الأبرار وفجور الفجار وتصير الأمور إلى علانية.
والإنسان فى هذا الموقف ليست له من نفسه قوة يدفع بها وليس له ناصر من خارجه ينتصر به. لمن الملك اليوم لله الواحد القهار.
والذى خلق هذا هو سبحانه الذى يقرر أن هذا القرآن هو القول الفصل البين
(٢) القرطبى ٢٠/ ٣.
(٣) المرجع السابق ٢٠/ ٩.