قال: والله يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما، قال العباس:
قلت يا أبا سفيان: إنها النبوة، قال: فنعم إذا «١».
فكلمة أبى سفيان تمثّل تصور المشركين لبعثة النبى صلّى الله عليه وسلم، وأنه سينزع عنهم مكانتهم وسلطانهم وهيبتهم من القبائل، من أجل ذلك ناصبوه العداء، وتفننوا فى عدائه وكادوا له كيدا كبيرا.
ومما يدلّ على ذلك- أيضا- اجتماع وفد من المشركين برسول الله صلّى الله عليه وسلم قالوا فيه للنبى صلّى الله عليه وسلم: «يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلّمك، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثلما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسببت الآلهة، وسفّهت الأحلام، وفرقت الجماعة... فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تطلب به الشرف فينا فنحن نسودك علينا، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذى يأتيك رئيّا تراه قد غلب عليك- وكانوا يسمون التابع من الجن رئيا- بذلنا لك أموالنا فى طلب الطب لك حتى نبرئك منه، فقال صلّى الله عليه وسلم: «ما بى ما تقولون، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم ولكن الله بعثنى إليكم رسولا، وأنزل علىّ كتابا، وأمرنى أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم، فإن تقبلوا منى ما جئتكم به فهو حظكم فى الدنيا والآخرة، وإن تردوا علىّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بينى وبينكم» أو كما قال صلّى الله عليه وسلم «٢».
فإذا كانت هذه من جملة أسباب عداء المشركين للنبى صلّى الله عليه وسلم فإن السورة الكريمة تزجرهم وترد عليهم مزاعمهم وتتوعدهم وتعرفهم بحقيقة الأمر، ليصححوا تصوراتهم ويقلعوا عن غيهم وذلك بذكر ما يلى:
أولا: لا ينبغى أن يفتر هؤلاء بطول إمهال الله لهم، لأنهم لو ذاقوا العذاب لزال عنهم ما يجدون من كبر وعناد، قال تعالى: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨).
ثانيا: لا يملك هؤلاء من الأمر شىء فرحمة ربّك العزيز الوهاب يخص بها من

(١) جند الله فى معارك رمضان د. محمد رأفت سعيد ٣٥، ٣٦.
(٢) الإسلام فى مواجهة المخدرات د. محمد رأفت سعيد ٣٠.


الصفحة التالية
Icon