استكبر وكان من الكافرين.
وذكر ما حدث من إبليس تنبيه للناس وتذكير لهم بحقائق لها صلة بكفر الكافرين، واستكبارهم وعنادهم، وتبصير لهم كذلك بسبب من أسباب الكفر والعناد، وما يحاوله الشيطان مع الإنسان بمحاولة إقحامه فى عقبة الكفر. وهذا ما وقع فيها الكافرون فلما أمروا باتباع رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلم قالوا: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) [الزخرف] ونظروا كذلك إلى من آمن من المستضعفين نظرة احتقار، وأن الكافرين خير منهم. ثم تذكر الآيات الكريمة حرص الشيطان وإصراره على إغواء بنى آدم.
والعاقل مع وضوح هذه الحقائق يحسن السير ويتجنب المخاطر. قال تعالى: قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣).
ومع بيان جهد الشيطان ومحاولته فى إغواء بنى آدم وتحذير الناس من هذه العداوة يأتى الوعيد للشيطان ولمن تبعه قال تعالى: قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٤).
وبعد هذا التبشير والإنذار وبيان مصدر من مصادر العداوة للإنسان، وكيف يكون حرص الشيطان على الإغواء يأتى التأكيد على حرص النبى صلّى الله عليه وسلم على تذكير العالمين دون أجر، وأنه يسلك فى هذا سبيل الفطرة دون تكلف فى أمره كله فلا تكلف فى أى مظهر من مظاهر الاعتقاد أو الأخلاق أو السلوك أو المعاملات. وأن ما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو الحق الذى سيدرك الناس أجمعون أنه الحق الآتى الذى لا ريب فيه. قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨).
فالرسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يتكلف ولا يتخرص ما لم يؤمر به، روى مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: من سئل عما لم يعلم فليقل لا أعلم ولا يتكلف، فإن قوله لا أعلم علم، وقد قال الله عز وجل لنبيه صلّى الله عليه وسلم: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦).