لنبيه صلّى الله عليه وسلم: سلهم يا محمد عن القرية، أما عذّبتهم بذنوبهم؛ وذلك بتغيير فرع من فروع الشريعة واختلف فى تعيين هذه القرية فقال ابن عباس وعكرمة والسّدّى: هى أيلة، وعن ابن عباس- أيضا- أنها مدين بين أيلة والطور. وأما الزهرى فيرى أنها طبريّة.
وأما قتادة وزيد بن أسلم فيذكرون أنها ساحل من سواحل الشام بين مدين وعينون يقال لها: مقتاة. وكان اليهود يكتمون هذه القصة لما فيها من السبة عليهم «١».
وسورة الأعراف أول سورة طويلة تنزل بمكة، فقد بلغت آياتها مائتين وست آيات بالآيات المدنية الثمانى. وقرأ النبى صلّى الله عليه وسلم بهذه السورة على طولها فى صلاة المغرب. فقد روى النسائى عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قرأ فى صلاة المغرب سورة الأعراف، فرّقها فى ركعتين «٢».
وعلى ذلك فإن سورة الأعراف تفصّل للناس من المعانى ما يدعم القضايا التى أثيرت فى السور السابقة، ومن هذه القضايا ما يتصل بالكتاب العزيز، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم الذى أنزل إليه الكتاب، واستقبله بشوق وهمة وأنذر به الناس وبشرّ، والناس نحوه على قسمين: قسم مستجيب مؤمن، وقسم معرض معاند. وتبين السورة أمرا جديرا بالعناية نحو الكتاب والذى أنزل إليه وهو أمر الاتباع لما جاء به النبى صلّى الله عليه وسلم فالعلم وحده لا يكفى وإنما يجمع بين العلم والعمل. وأن عدم الاتباع والوقوع فى الكفر يؤدى إلى التهلكة، ولهم فى القرى السابقة عبرة فقد جاءهم العذاب بغتة ليلا أو نهارا قال تعالى:
المص (١) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (٣) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥).
ومن القضايا الأساسية فى السورة الكريمة ما يتصل بالسؤال الذى سيوجّه إلى الجميع: إلى المرسلين، والذين أرسل إليهم وإخبارهم بما عملوا، فالله أحصى ما صنعوا وما يغيب عنه سبحانه شىء: ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٧) [المؤمنون] قال تعالى:
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧).
وما يسجّل على الإنسان أو له فإنما يسجّل بدقة بالغة، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً

(١) القرطبى ٧/ ٣٠٤، ٣٠٥.
(٢) القرطبى ٧/ ١٦٠، وفتح القدير ٢/ ١٨٧.


الصفحة التالية
Icon