واستمرت العداوة واستمر الكيد من الشيطان لبنى آدم وأهبط آدم وزوجته إلى الأرض يمارسان الحياة فيها وليكون الموت فيها، ومنها يكون الخروج وخير حال لبنى آدم أن تستر الثياب أجسادهم، وأن يتجملوا بها ظاهرا، وأن يلبسوا ثياب التقوى ليتجملوا بها خلقا وسلوكا وأعمالا.
وإذا كان الشيطان قد فتن آدم وزوجته لينزع عنهما لباسهما بالمعصية فينبغى ألا يقع بنو آدم تحت تأثير الشيطان نفسه وإغوائه فالسورة الكريمة تربط للناس الحاضر بالماضى ليأخذوا العبرة وليكونوا على حذر قال تعالى: قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥) يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧) وفى هذا بيان لعمل الشيطان ولطبيعته وصلته ببنى آدم حتى يأخذوا حذرهم منه.
وتصحح السورة الكريمة مفاهيم خاطئة لدى الناس من التقليد للآباء فى الفواحش وتبرير هذا التقليد بأن الله أمر بهذا، كما تصحح جهلا وقع الناس فيه وتوجه إلى الصواب فى الأمر قال تعالى: وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.
وتنبه السورة الكريمة الناس إلى البعث وأنهم سيعودون إلى الحياة مرة أخرى للحساب ولكن فريقا هدى وفريقا ضل الطريق قال تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠).
وتهيئ السورة النفوس لكى تتحلى بالمظهر الطيب عند لقاء الجماعة المؤمنة فى بيوت أذن الله أن ترفع، وأن تتحلى كذلك بالتوازن فى حياتها المادية والروحية والعقلية، فعند ما تنمى أبدانها بالطعام والشراب ينبغى ألا يكون ذلك على حساب الروح أو العقل فلا إسراف فى مأكل أو مشرب، فالإسلام جاء ليحقق التوازن فى كل شىء، ويجعل


الصفحة التالية
Icon