الرسل واستقامتهم على صالح الأعمال، قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣).
وتعرض سورة الأعراف مشهدا لفريقين من الناس فى الآخرة: فريق الجنة، وفريق النار، وما يكون بين الفريقين من كلام، كما تعرض لفريق ثالث بين الفريقين: ويمثل هذا الفريق رجالا على الأعرف أى ما يكن من سور أو حجاب يقال له: الأعراف لا من الجنة ولا من النار بل بينهما، ومن يكن عليه ير حال الفريقين الآخرين.
فأما أصحاب الجنة فينادون أصحاب النار بأنهم وجدوا ما وعدهم ربهم حقا.
وأما أصحاب النار فكانوا فى شك من وعد الله فكفروا فى الدنيا، أما الآن فإنهم يقولون: نعم. ولكن لا ينفعهم إيمانهم فى هذا الموقف، وقد ظلموا وصدوا عن السبيل وأرادوها عوجا وكفروا بالآخرة.
وأصحاب الأعراف يعرفون كلا من أهل الجنة والنار بسيماهم، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا سلام عليكم- وهم- إلى الآن- لم يدخلوا الجنة ولكنهم يطمعون فى دخولها، ولم يجعل الله الطمع فى قلوبهم إلا لما يريد بهم من كرامته. وإذا وجّهت أبصارهم تلقاء أصحاب النار رأوا منظرا شنيعا، ودعوا ربّهم ألا يكونوا مع هؤلاء الظالمين.
ويجد أصحاب الأعراف عند رؤيتهم النار وأهلها رجالا يعرفونهم وكانوا فى الدنيا أصحاب أموال وأولاد وجاه؟ فيقولون لهم: ما أغنى عنكم ما كنتم تحتمون به وتفاخرون به من عصبية وجاه، لقد ذهب كل هذا ولم يغن عنكم شيئا. ثم أشاروا لهم إلى أناس من أهل الجنة كانوا فى الدنيا فقراء ضعفاء يستهزئ بهم أهل النار فيقولون لهم: أهؤلاء الذين احتقرتموهم وأقسمتم أنهم لا ينالهم الله برحمة. لقد قيل لهؤلاء الضعفاء- إكراما لهم: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. لقد كان هذا واقعا من المشركين مع المؤمنين، وقد مر بنا فى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) [المطففين].
وأما موقف أصحاب النار فإنه موقف خزى نفسى، وعذاب أليم فهم ينادون على