يَعْمَلُونَ (١٤٧) وفى بيان ما ضلّ فيه بنو إسرائيل من أمر العقيدة تذكر الآيات الكريمة صنيع قوم موسى للعجل من حليّهم دون أن يعملوا عقولهم فى حالهم، وكيف أنقذهم الله بالتوحيد الذى جاء به موسى، ولما وقعوا فى الضلال استدركوا فلولا رحمة الله ومغفرته لكانوا من الخاسرين، قال جل شأنه: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩).
ورجع موسى عليه السّلام ليجد هذه الحالة المؤسفة فى قومه فيذمهم بغضب على ما صنعوا، وأخذ برأس أخيه ولكنّ أخاه عبر عن موقفه مع القوم بأنهم استضعفوه وكادوا يقتلونه. ومعنى ذلك أنه قاومهم ولم يحدث منه إقرار لهم على صنيعهم فليس من هؤلاء الظالمين، فدعا موسى لنفسه ولأخيه بالمغفرة والرحمة. وأما الذين اتخذوا العجل فسينالهم الغضب من ربهم والذلة. وأما الذين عملوا السيئات ثم استدركوا أنفسهم بالتوبة وصدق الإيمان فإن الله غفور رحيم.
وذكر هذه الأحداث بهذه السورة المكية تهيئ النفوس لمعرفة طبيعة قوم سيكون لهم خطر شديد، وبيان حقيقة نفوسهم تجعل المؤمنين على بصيرة من أمرهم، وهذا التجاور الذى سيتحقق فى المدينة بعد الهجرة ينبغى أن يحسب حسابه، ليجنب الله عباده المؤمنين كيد اليهود، وليدرك من شاء من اليهود حقيقة الوحى المنزل على رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلم والذى يذكر ما حدث لهم مع نبى الله موسى عليه السّلام ولا يعلم ذلك إلا أحبارهم على ما فى أيديهم من بقايا التوراة التى عبثوا بها وغيروها وبدّلوها، ومن هذه التفصيلات كذلك أن موسى عليه السّلام لما سكت عنه الغضب أخذ الألواح بما فيها من هدى ورحمة، واختار سبعين رجلا لميقات ربه، فلما أخذتهم الرجفة كان تذكر موسى عليه السّلام لأفعال السفهاء من قومه قال: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ.
قال تعالى فى بيان ذلك من سورة الأعرف: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ