يستطيعون دفع مكروه عمن يعبدونهم ولا عن أنفسهم. إنهم لا يسمعون ولا يبصرون.
إنهم يشتركون مع عابديهم فى أنهم مملوكون لله سبحانه فهى مخلوقة كذلك. بل الإنسان له رجل يمشى عليها وله يد يبطش بها وله عين يبصر بها وله أذن يسمع بها، أما هؤلاء فحجارة وأخشاب فكيف تعبد من الإنسان.
وإذا ذكّرت الآيات الكريمة الإنسان بهذه الحقائق فإنها توجهه إلى العبودية الحقّة لله سبحانه وحده إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ كما ترشده إلى سبيل الصلاح وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦).
ومن المعانى التى تذكر فى الآيات الكريمة بعد بيان بطلان الشركاء ما يدعّم مكارم الأخلاق وحسن المعاملة، قال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) ونزول الآية الكريمة بهذه المعانى فى الفترة المكية تعين الرسول صلّى الله عليه وسلم على مواجهة الأذى من المشركين، كما تعين المؤمنين على ذلك، قال جابر بن سليم أبو جرىّ: ركبت قعودى ثم أتيت إلى مكة فطلبت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأنخت قعودى بباب المسجد فدلّونى على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإذا هو جالس عليه برد من صوف فيه طرائق حمر، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: «وعليك السلام». فقلت: إنا معشر أهل البادية، قوم فينا الجفاء؛ فعلّمنى كلمات ينفعنى الله بها. قال: «ادن» ثلاثا، فدنوت، فقال: «أعد علىّ» فأعدت عليه، فقال: «اتق الله ولا تحقرنّ من المعروف شيئا، وأن تلقى أخاك بوجه منبسط، وأن تفرغ من دلوك فى إناء المستسقى وإن امرؤ سبّك بما لا يعلم منك فلا تسبه بما تعلم فيه فإن الله جاعل لك أجرا وعليه وزرا ولا تسبّن شيئا مما خوّلك الله تعالى» قال أبو جرىّ: فو الذى نفسى بيده، ما سببت بعده شاة ولا بعيرا. أخرجه أبو بكر البزار فى مسنده بمعناه «١». فهذه الأخلاق التى تبلغ الذروة من المكارم يوجّه الناس إليها فى مواجهة الجاهليين والمسيئين والقاطعين. روى البخارى من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير فى قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ قال: ما أنزل الله هذه الآية إلا فى أخلاق الناس. وجاء فى تفسيرها: «إن الله تعالى يأمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطى من حرمك وتصل من قطعك» «٢».
وبعد ذكر هذه المكارم الخلقية يأتى التوجيه إلى التحصين من الشيطان إذا استثار الإنسان ليغضبه أو ليأمره بالسوء والفحشاء أو القول على الله بما لا يعلم الإنسان. وأن

(١) القرطبى ٧/ ٢٣٣، ٣٤٥.
(٢) القرطبى ٧/ ٣٤٥.


الصفحة التالية
Icon