وكانوا يسترقون فى بعض الأحوال، فلما بعث منعوا من ذلك أصلا «١».
وفى مواجهة ظن بعض الناس أن الجن تعلم غيبا جاء قوله تعالى: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (١٠).
وعلى ذلك فلا يلجأ إلى الجن لطلب معرفة الغيب فهم لا يعلمون شيئا.
ثم يأتى بعد ذلك تعريف الناس بحقيقة الجن فى قول الله تعالى فى شأن الجن:
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١) فالجن جماعات متفرقة وأصناف مختلفة، قال السدى والضحاك: على أديان مختلفة، وقال قتادة: أهواء متباينة، وقال سعيد بن المسيب: كانوا مسلمين ويهود ونصارى ومجوس، وكذا قال مجاهد.
وقال الحسن: الجنّ أمثالكم قدرية ومرجئة ورافضة وشيعة «٢». وعلى ذلك فليسوا سواء فمنهم الصالحون ومنهم غير الصالحين على اختلاف درجات السوء.
وهؤلاء الذين يعرفون حقيقة أنفسهم ويعترفون بما هم فيه من اختلاف يقرّرون كذلك ضعفهم وعجزهم أمام قدرة الخالق جل جلاله قال تعالى: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢). وهذه المجموعة المؤمنة من الجن تحكى كيف آمنت بعد سماعها للهدى كما تذكر الآية الكريمة عاقبة هذا الإيمان قال تعالى: وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١٣) بل تذكر الآية الكريمة بعد ذلك إدراك هؤلاء الجن لمعنى الإسلام كذلك كما أدركوا من قبل معنى الإيمان كما تنبه الآية الكريمة إلى عاقبة الإسلام أيضا، وعاقبة من حاد عن الطريق الحق. قال تعالى:
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥) وبعد هذا التعريف بالجن وحقيقته حتى لا يضل الناس
الفهم لهذا النوع من المخلوقات يأتى تذكير الناس بأن الاستقامة على وحى الله وهديه هى سبيل الرزق الحسن الذى يتطلع إليه الناس مع تعريف الناس بأن ما يرزق به الإنسان يكون موضع اختبار لهم. وفى مقابل هذه الاستقامة الإعراض عن ذكر الله، وهذا الإعراض سبيل لدخول الإنسان فى العذاب الشاق. قال تعالى: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧).
وبعد ذكر هذا التوجيه الكريم للإنس وللجن. يقول سعيد بن جبير: قالت الجنّ:
كيف لنا أن نأتى المساجد ونشهد معك الصلاة، ونحن ناءون عنك؟ فنزلت: وَأَنَ
(٢) فتح القدير ٥/ ٣٠٦.