وعلى ذلك فإن الآيات الكريمة تؤكد بهذا القسم صدق الرسول فى رسالته، ووصف القرآن الكريم بالحكمة فهو يهدى للتى هى أقوم، ويضع أمور الناس فى مواضعها لتستقيم حياتهم فى شتى صورها، وأن رسوله صلّى الله عليه وسلّم على صراط مستقيم فى كل شىء فيما جاء به من عقيدة التوحيد، وفيما دعا إليه من مكارم الأخلاق، وفيما يبسطه للناس من وحى ربه ليخرجهم فى معاملاتهم من الظلمات إلى النور. وأن الله سبحانه هو الذى أنزل على رسوله كتابه وهو العزيز الذى يحمى كتابه بعزته عن التغيير والتبديل وهو الرحيم بعباده فى بعثة رسوله إليهم بهذا الكتاب الكريم، لينذر الناس الذين غرقوا فى الغفلة والجهالة وعمتهم الضلالة. وتكاشفهم الآيات الكريمة بما صاروا إليه مع التنزيل الحكيم فمنهم من أعرض ورفض الحق وهؤلاء حق القول عليهم فلم يؤمنوا وظلوا على شركهم وكفرهم وكان فيهم قول الله تعالى بعد ذلك: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠).
وأما الآخرون الذين يفيدون من البشير النذير صلّى الله عليه وسلّم فهم الذين يخشون الرحمن بالغيب وهم الذين يتبعون النبىّ الكريم وهؤلاء لهم البشرى بالمغفرة والأجر الكريم، قال تعالى: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١).
تأتى بعد ذلك الآية الكريمة المدنية لتقرر ما سبق تأكيده فى السور الكريمة السابقة من إحياء الله سبحانه للموتى وتذكر ما يصحب هذا الإحياء من المحاسبة على ما قدّم الإنسان من أعمال وعلى آثار هذه الأعمال. فالمسئولية ليست عن العمل فحسب وإنما المسئولية عن العمل وعن أثر هذا العمل. وهذا تنبيه للفريقين معا فإن من استجاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستكتب استجابته وسيكتب عمله الصالح، فإن دعا غيره إلى الاستجابة والهدى فله من الأجر مثل أجور من اتبعه. ومن أعرض وكذب وعمل سوءا فسيكتب إعراضه وسيكتب عمله. فإذا ما صدّ عن سبيل الله وآذى غيره فسيكتب أثر عمله فمن دعا إلى ضلالة فعليه مثل آثام من اتبعه. قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢).
ويضرب المثل لهؤلاء المكذبين بما يشبه حالهم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتكذيبهم وكيف كانت عاقبة المكذبين بعد حرص الرسل على هدايتهم، وفى هذا المثل كشف لفساد تصور المكذبين للرسل، واصطفاء الله لهم من البشر، وبيان مهمة الرسل فى التبليغ.
وسوء ظن المكذبين وتطيرهم وإيذائهم للرسل. وموقف بعض العقلاء فى القوم الذين يدركون حقائق الأمور وينصحون أقوامهم ليهتدوا، ويسلكون فى نصحهم الأدلّة