الصلاة، ومن الناس من يرى أنه أمّهم فى السماء، والذى تظاهرت به الروايات أنه فى بيت المقدس، ولكن فى بعضها أنه كان أول دخوله إليه، والظاهر أنه بعد رجوعه إليه؛ لأنه لما مر بهم فى منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحدا، واحدا وهو يخبر بهم؛ ويرى ابن كثير أن هذا هو اللائق لأنه كان أولا مطلوبا إلى الجناب العلوى ليعرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى، ثم لما فرغ من الذى أريد به اجتمع هو واخوته، ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه للإمامة، وذلك عن إشارة جبريل عليه السّلام له فى ذلك، ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وكان ذلك ببدنه وروحه- عليه الصلاة والسلام- يقظة وليس- كما يزعم البعض- بروحه فقط وأنه كان مناما. والدليل على ذلك قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ [الإسراء: ١]. فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناما لم يكن فيه كبير شىء، ولم يكن مستعظما، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه، وأيضا فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقد قال تعالى: أَسْرى بِعَبْدِهِ وقال تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء: ٦٠]. قال ابن عباس: هى رؤيا عين، أريها رسول الله ﷺ ليلة أسرى به، وقال تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) [النجم]. والبصر من آلات الذات لا الروح، وأيضا فإنه حمل على البراق- وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان- وإنما يكون هذا للبدن لا للروح؛ لأنها لا تحتاج فى حركتها إلى مركب تركب عليه والله أعلم «١».
وعلى هذا كانت صورة الوحى هنا فوق السموات، وكان مما فرض فيها الصلاة، وفرضية الصلاة فى هذه المرتبة يدل على شرفها وقدرها ومنزلتها بين الفرائض الأخرى، وكذلك أهميتها فى حياة الإنسان، وثمرتها فى حياته، أما منزلتها من الفرائض الإسلامية فتأتى بعد كلمتى الشهادة، فالإسلام بنى على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
وهى من الإسلام عماده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد فى سبيل الله»، وهى أول ما يحاسب عليه العبد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة؛ فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله» «٢». وهى آخر وصية وصى به رسول الله
(٢) رواه الطبرانى.