وتبدأ السورة الكريمة فى بيان عظمة الخالق الكاملة وتفرده بالوحدانية وكثرة خيراته وإحسانه، ومن أعظم هذه الخيرات أن ينزل الفرقان علي عبده ليكون فارقا بين الحق والباطل فى كل شىء، وهاديا للتى هى أقوم فى كل أمر: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١).
ومع بيان التوحيد الخالص يذكر وصف المنزّل عليه، وخير وصف له وصفه بالعبودية لله سبحانه، كما يعرّف الناس بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنزل عليه الفرقان لينذر العالمين فرسالته عامة وليست لقومه فحسب. وأساس هذه الرسالة التوحيد الخالص ويذكر من جوانبه: أنه سبحانه له ملك السموات والأرض، فله التصرف فيهما وحده وكل من فيهما عبيد له خاضعون لربوبيته فقراء إلى رحمته، وأنه سبحانه منزه عما وصفه به الضالون من نسبة الولد إليه أو الشركاء فى الملك. وتجاور هذه الصفات الجليلة لله سبحانه تعين السامع والقارئ على التنزيه، فكيف يكون له الملك والكل عبيد له خاضعون لربوبيته ثم يزعم قوم أن له ولدا أو شريكا وهو القاهر وغيره مقهور والغنى والمخلوقون مفتقرون إليه قال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (٣).
ثم تذكر الآيات الكريمة بعد ذلك مزاعم الكافرين الذين واجهوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وما جاء به من عند ربه. فطعنوا فى القرآن الكريم وطعنوا فى المنزّل عليه صلّى الله عليه وسلم. وهى مطاعن مزيّفة قادهم إليها الهوى والحقد والحسد وخشية فوات المغانم المادية، وسوء فهمهم للنبوة واصطفاء الله سبحانه لمن شاء من خلقه ليكون للناس رسولا.
فوصفوا القرآن وهو أصدق الكلام وأعظمه وأجلّه بأنه كذب وافتراء، ووصفوا الرسول صلّى الله عليه وسلم- وهم الذين لقبوه بالصادق الأمين، وأقروا بصدقه وأمانته نتيجة عشرة ومعرفة بحقيقته أكثر من أربعين سنة «١» - بالكذب على الله، وأنه ينسب هذا الكلام إلى الله وقد علّمه إياه قوم آخرون، وترد الآيات عليهم بأنهم ظالمون كاذبون فى مطاعنهم هذه. قال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦).
وتذكر الآيات بعد ذلك فساد تصور هؤلاء عن الرسالة والرسول وصفاته وما يكون