وتبين الآيات الكريمة بعد ذلك ضلال هؤلاء الكافرين الذين لا يسمعون الوحى سماع قبول والذين لا يفكرون فيما يقوله الرسول فيعقلونه فصاروا بمنزلة الأنعام فى الأكل والشرب ولا يفكرون فى الآخرة، وفيما ينفعهم بل هم أضل من الأنعام إذ لا حساب ولا عقاب على الأنعام، والأنعام تمضى فيما سخّرت له، وإن لم تعقل صحة التوحيد والنبوة لم تعتقد بطلان ذلك. وعلى ذلك فإن الآيات الكريمة تربط كرامة الإنسان باستجابته لوحى ربّه وحسن تلقيه له بالسمع والفهم والطاعة وإلا خرج من دائرة الإنسان إلى دوائر الأنعام المهينة، قال تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا.
وللسموّ بالعقل الإنسانى ليخرج من دائرة الضلال، وللوقوف به على آيات القدرة والنعمة فى هذا الكون الذى يعيش فيه الإنسان، ووصولا إلى الحبّ والخشية للمنعم القادر سبحانه تبسط الآيات الكريمة بعد ذلك آية الظل وكيف مدّه الله سبحانه لينتفع الناس به، وآية الليل ليسكن الناس فيه، وآية النوم ليستريح الناس به، وآية النهار ليسعى الناس فيه، وآية الرياح وما تحمل من آثار رحمة الله بخلقه وآية الماء الطهور الذى تحيا به البلاد ويشرب منه الناس والأنعام، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (٥٠).
فهكذا تكون الآيات للتذكير ولكن لا ينتفع بها من الناس إلا من كان له سمع وتدبر وعقل وهؤلاء من الناس قليلون. وإذا كانت هذه الآيات تحمل مظاهر النعمة والقدرة من الله على خلقه فإن أجلّ هذه النعم من الله على عباده نعمة الوحى لخلقه واختيار المنذرين منهم ليرشدوهم ولو شاء الله لبعث فى كل قرية نذيرا منهم ولكن شاء الله أن تكون معية الرسول صلّى الله عليه وسلم نعمة عامة للناس أجمعين قال تعالى: وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢).
وتستمر الآيات الكريمة المنزلة بعد ذلك فى تذكير الناس بآيات النعم والقدرة فهذان البحران يلتقيان بقدرة الخالق سبحانه، ويحافظ كل منهما على خصائصه لينتفع الناس من كل بحر بما جعل الله فيه من خصائص دون أن يبغى بحر على بحر. وهو سبحانه القادر الذى خلق من الماء البشر على كثرتهم.
وكل هذه الآيات تقتضى من البشر أن يعبدوا الله وحده، ولكن الكافرين لم


الصفحة التالية
Icon