وتقرر السورة الكريمة فى هذه الفترة التوحيد الخالص لله سبحانه، وكمال قدرته وتنزهه جل شأنه عما لا يليق بجلاله مما انحرف فيه وضل أهل الكتاب من نسبة الولد والشريك لله سبحانه وتعالى عن قولهم، وتتناول السورة الكريمة فى هذا البيان جانبين الأول: قصص الأنبياء بدءا بزكريا عليه السّلام وما كان من توحيدهم الخالص وما حدث معهم من مظاهر العبودية الصادقة فى حسن التوجه إلى الله، والطمع فى رحمته مع بيان مظاهر قدرة الله سبحانه فى تحقيق ما طلبوا، وكذلك آيات قدرته فى خلقه حتى وجدنا اسم السورة الكريمة مبرزا هذا المعنى فى «مريم» عليها السلام.
والجانب الثانى: فى بيان انحراف الناس وضلالهم فى فطرتهم إلى أنبيائهم، ورسل الله إليهم ودعوتهم إلى الصواب الذى يتفق مع ما جاء به هؤلاء الأنبياء. فهذا زكريا عليه السّلام يدعو ربّه ويذكر حاله ولا يستبعد أن يحقق الله له رغبته فى الذرية الصالحة على الرغم من حالته وحالة زوجته فيبشّر بالغلام ويسمّى ونقف على آيات قدرته سبحانه فى هذا الخلق وكيف يكون الإنجاب فى مثل هذه الحالة وكيف يكون غلاما زكيا ويكون برا بوالديه ويكون تقيا، وهذه عاقبة الاستقامة مع الله سبحانه فى الحياة الدنيا وفى الآخرة قال جل شأنه: كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥).
وفى عرض هذه القصة تعليم وتوجيه للناس فى التوجه إلى الله سبحانه لتحقيق المراد، والثقة الكاملة فى فضل الله ورحمته، وكمال قدرته والخضوع والتذلل له، وذكر نعمه وآلائه يصاحب الدعاء والمسألة وفى ذكر القصة بتفصيلاتها وجوانبها الخفية ما يدلّ على أن هذا كلام الله سبحانه وحده، فلا علم بهذه الجزئيات الخفية لدى الناس.
وبعد ذكر قصة زكريا ويحيى عليهما السلام وما كان من حالهما، وتناول ذكر مريم عليها السلام والتى سميت السورة الكريمة باسمها، وما كان من شأنها فى انقطاعها لعبادة